هناك مقولة مهمة لبيتر داركر -الاب الروحي لعلم الادارة - وهي Culture eats strategy for breakfast

الثقافة تأكل الاستراتيجية على الفطور، فما سر هذه المقولة ؟ سأستعرض لكم الموضوع بطريقة مختلفة وبسيطة تلائم المتخصصين وغير المهتمين بالإدارة على حد سواء.

يتفق الجميع مع اختلاف تخصصاتهم على أن الأهم من العمل هو خطة العمل، واذا كان التخطيط الاستراتيجي للمؤسسات والشركات هو خطة العمل، فلماذا قرر بيتر داركر أن الثقافة التنظيمية أهم من الاستراتيجية بذاتها؟

قبل أن اجيب دعوني أضع معنى مبسط للثقافة التنظيمية ومرتبط بالحياة الواقعية للشخص غير المتخصص، في المطاعم والفنادق سواء كنت زبونا أو كنت عاملا، هناك شيء ستدركه دون الحاجة لوجود قاعدة مكتوبة أو توجيه من المدير، وهو أن الزبون دائما على حق ويجب أن تلاقي الزبون بوجه بشوش، هذه قاعدة ستعلمها بمجرد عملك بالمكان، لماذا؟ لأنها ببساطة جزء من القيم والمعتقدات التي ارتبطت بالعمل بالمجال الفندقي والمطاعم وأصبحت راسخة في أذهاننا عبر الزمن، وهذه المعتقدات والقيم والاعراف تسمى بعلم الإدارة باسم الثقافة التنظيمية.

والجميل بالثقافة التنظيمية ان وجودها المعنوي غير الملموس يؤثر بصورة كبيرة بالسلوك المادي لدى العاملين بالمكان، ويخلق نوعا من الرقابة الذاتية، بمعنى أنك كمدير لا تحتاج لمراقبة العاملين وضبط سلوكهم لأن ثقافة المؤسسة كفيلة بجعله يعلم السلوكيات المقبولة من تلقاء نفسه.

ومن أوضح الأمثلة بالحياة الواقعية على دور الثقافة في ضمان الرقابة الذاتية هو صديقنا المغترب، فعندما كان في دولته لم يكن لديه مشكلة في رمي سيجارته وزجاجة مشروبه بالطرقات، وعندما وصل بلاد الغربة أصبح يحافظ على نظافة الطريق كأنه منزله بالضبط، والغريب هنا ان ما غير سلوكه ليس الارشادات والقوانين، بل ثقافة المكان القوية التي شعر بها بمجرد وصوله.

وهذا يوضح سبب قناعة بيتر داركر، ومدى أهمية الثقافة التنظيمية والتي للأسف لا يوجد اهتمام بها في عالم الاعمال في الوطن العربي مقارنة بغيرها مثل التخطيط الاستراتيجي والهيكل التنظيمي، مع أن حضور الثقافة التنظيمية القوية المتجذرة للمؤسسة يضمن كفاءة الطاقم بأكمله ويضبط سلوكياتهم بشكل تلقائي ويولد شعور بالفخر والولاء لديهم ، فعندما تشعر أنك تمثل كيان راقي، لن تتصرف الا بمستوى رقي هذا الكيان.

وبعد توضيح وجهة نظر بيتر داركر، هل تتفقون معه أم تظنون أن الثقافة التنظيمية تبقى شيئا ثانويًا مقارنة بالتخطيط الاستراتيجي؟ وبرأيكم كيف يمكن أن نطور الثقافة التنظيمية في منظمات وشركات الوطن العربي؟