دعونا ننتظر حتى يفشل !!!!
ما بين مطرقة محك التباعد وسندان النماذج الكمية في التشخيص يضيع كثير من أطفال الصعوبات ويفوتهم قطار التخل المبكر ، تاركا إياهم على محطة القصور والخلل في مختلف القدرات ( النمائية ، والحركية ، والمعرفية ، والاجتماعية ..... وغيرها ) ويطول بهم الانتظار على رصيف الإهمال ما بين اتهام بالضعف العقلي وانخفاض القدرات وربما الغباء ، وبين اعتماد على عامل الزمن والتكرار في أنه سيقعل فعل عصا موسى في النهوض بهم ....... ويظلون على تلك الحال غالبا ، حتى يحين موعد القطار الثاني من قطارات التدخل والعلاج .. ( موعد الفشل ) .... الفشل .. نعم الفشل !!!! عن أي فشل تتحدث يا رجل ؟! وكيف يكون الفشل موعدا للتدخل والعلاج ؟! ... أنت تمزح بالتأكيد .. لا أنا لا أمزح ، بل أعني فعلا ما أقول ، رويدك قليلا رعاك الله ، كيف لي أن أفهم أو أعي أن عاقلا يقول بأن علينا أن ننتظر الطفل حتى يفشل ثم بعد ذلك نتدخل للإصلاح والعلاج !!
سيدي إنه ليس كلامي ، ولا خيالات من بنات أفكاري ، إنه شاهد الواقع وما ذهب إليه عدد لا يستهان به من أساطين التنظير والتقعيد من المتخصصين في مجال صعوبات التعلم وتحديدا ( تشخيص صعوبات التعلم )
أما عن الواقع : فأنت ترى كثيرا من الآباء والأمهات ينامون نومة أهل الكهف ، ولايبالون كثيرا بمظاهر القصور والخلل التي تظهر على الطفل في جوانب القدرات النفسية المختلفة ، حتى إذا ما التحق الولد بالروضة وأبدى بعض الضعف الأكاديمي فتحوا أعينهم قليلا وبدأوا الشكوى والتذمر وإلقاء اللائمة على الطفل الذي عجزت معه الحيل - في ظنهم - فإذا دخل الولد عالم المدرسة ورماهم بشهادة الفشل وتدني التحصيل الدراسي في المهارات الأساسية ( القراءة ، الكتابة ، الحساب ) وشعروا بالتهديد الحقيقي لمستقبل الطفل والآمال المعقودة عليه من قبلهم ؛ هبوا من ثباتهم العميق وذاك غالبا بعد أن يكون قد تجاوز سنين عددا في المرحلة الابتدائية
وأما عن التأصيل العلمي : فإن الاعتماد شبه الكامل الذي على محك التباعد كأحد محكات التشخيص لذوي الصعوبات والذي هو أحد أفراد عائلة التحليل الكمي للتشخيص والتي تتبنى الاختبارات والمقاييس - والتي هي في غاية الأهمية بالطبع - سبيلا أوحد للتعرف على هؤلاء الطلاب ، ناسية أو متناسية أنها لا تكفي أبدا في إعطاء صورة كلية متكاملة عن الطفل وقدراته وجوانب شخصيته .
أقول إن الاعتماد شبه الكامل على ذلك ؛ خلق ظاهرة تعرف باسم ( ظاهرة تكريس الفشل ) !!! ، حيث تقوم تلك المدرسة في التشخيص على تأجيل عملية التشخيص والتخل حتى الصف الثالث الابتدائي وذلك للحصول على درجات للتحصيل - حسسب زعمهم - مما يتعارض مع فلسفة الكشف والتدخل المبكر بالكلية .
و لاتعجب من هذا الكلام وتعتقد أنه محض افتراء ، فهو مسطر في كثير من الكتب التي تتحدث عن ذوي صعوبات التعلم وإليك أحد هذه النصوص ( فالعمر المناسب للتدخل لملاحظة واكتشاف الطفل من ذوي صعوبات التنعلم في بداية مراحل ظهور الأعراض على الطفل ، ويجب أن يكون في بداية دخوله المدرسة ، وغالبا ما يكون ذلك عند سن التاسعة ، أي ما يوافق الصف الثالث من المرحلة الابتدائية ) ولم يكتف المؤلف بذلك ، بل تجاوزه إلى الاستشهاد بوصية الباحثين بهذا الأمر فقال : ( حيث يوصي الباحثون باستخدامها عند هذا السن - يقصد الاختبارات والمقاييس - لسببين وهما :
الأول : أن أدوات القياس والتشخيص تتمتع بدرجة عالية من الصدق والثبات عند هذا العمر .
الثاني : أن هذا العمر يمثل مرحلة العمليات العقلية ، كما أشار إليها بياجيه ، وهي التي يكون الطفل فيها قدارا على القراءة والكتابة والحساب .... انتهى كلامه )
وماذا عن فترة ما قبل المدرسة ؟!!! ........ انتظر
وماذا عن رياض الأطفال ومدى أهميتها بالنسبة للطفل وتنمية قدراته ومواهبه ، واكتساف جوانب القصور والخلل عنده ؟........... لا يعنينا
وماذا عن فلسفة الكشف والتدخل المبكر وبرامجه ؟ ! .............. لم يحن الأوان بعد
ومتى إذا سنتدخل ؟ ....... ستصدمك الإجابة .. سنتدخل حينما يفشل الطفل ، أو حينما يظهر العجز والقصور الكاديمي تحديدا
ما شاء الله !! صار كل ما علينا فعله هو ( انتظروه حتى يفشل )
للأسف الشديد إخوتي هذه هي الحقيقة المؤسفة في واقع تشخيص أطفال صعوبات التعلم والكشف المبكر عنهم ، وليس كونها مؤسفة في أنها تضرب بعرض الحائط أبسط قواعد العقل والمنطق كا ( الوقاية خير من العلاج ) ( كلما كان التدخل أسرع كلما كانت النتائج أفضل والعلاج أيسر ) بل إن ما يزيدها سوءا هو أن هناك من يؤصل لها علميا وعمليا ويأتي عليها بالأدلة والبراهين على أنها النموذج الأفضل والأدق ( أقصد عائلة التحليل الكمي في التشخيص ) ، ومما زاد الطين بلة أن غالبية من يتناول قضية ( تشخيص صعوبات التعلم ) يتناولها غاضا الطرف عن مرحلة ما قبل المدرسة ، مهملا النموذج الكيفي في التشخيص وما يشتمل عليه من إجراءات ووسائل ، معتمدا بشكل شبه كامل على النموذج الكمي ( نموذج الاختبارات والمقاييس وفقط ) - والتي و أكرر لا يختلف اثنان على مدى أهميتها ، ولكنها وكما أسلفنا الذكر لا تكفي بمفردها دون بقية أفراد عائلة التحليل الكيفي في التحديد والتشخيص لإعطاء صورة كلية كاملة عن الطفل .
ودعوني أوجه هذين السؤالين لكل عاقل منصف باحث عن الحقيقة عله يراجع نفسه ويعيد النظر فيما استقرت عليه الأمور
1 - ما العمل حين تستبعد نماذج التحليل الكمي في التحديد والتشخيص المتفوق عقليا ذي صعوبة التعلم والذي يكافح للوصول إلى متوسط أقرانه ، من مظلتي المتفوقين عقليا وذوي صعوبا تالتعلم ؛ بسبب عدم انطباق محددات التفوق العقلي عليه من ناحية وصعوبات التعلم من ناحية أخرى ؟!!
2 - من قال بأن التفوق العقلي لابد وأن يكون مصحوبا بالضرورة بارتفاع المستوى التحصيلي ( الأكاديمي ) ، وما الأدلة على ذلك من حيث الإطلاق ؟
كما تظل هناك بعض الإشكاليات التي تحتاج إلى حلول والتساؤلات التي تحتاج إلى إجابات حول نظرية ( دعونا ننتظر حتى يفشل ) وعلى رأس تلك الإشكاليات ، ذلك الركام الهائل من الإحباط والفشل المتكرر وتدني مفهوم الذات وانعدام الثقة بالنفس وفقدان الدافعية وربما كراهية الدراسة وأي مهمة تحتوي جانبا أكاديميا الذي سيتولد لدى هذا الطفل ويرسخ في نفسيته بشكل كبير ، وبينما نحن نحتسي القهوة ونتصارع على صفحات الكتب وفي قاعات البحث ودورات التدريب لنكرس للفكرة التقليدية السائدة عن التشخيص ( فكرة النموذج الكمي ومحك التباعد ) ، والتي هي إحدى نتاجات غياب ( التفكير الناقد ) وتلقف الأفكار كما هي ، دون إعمال للعقل والنظر فيها ، ودون محاولة للتغريد خارج السرب والخروج عن المألوف إن اقتضت الحقيقة العلمية والمصلحة ذلك .
إذا .....
ماذا سنفعل حيال هذا كله ؟
وما الذي ينبغي علينا الأخذ به ؟
وما النموذج الأمثل للتحديد والتشخيص في صعوبات التعلم ؟
وكيف نقوم بالتحديد والتقييم في مرحلة ما قبل المدرسة ؟ وما المجالات التي نركز عليها أو نتناولها بالتشخيص في تلك المرحلة ؟
كل هذا وغيره سنجيب عنه ونتناوله بالتفصيل في مقال قادم بإذن الله تعالى إن قدر الله لنا البقاء .... فتابعونا
محبكم في الله .... #د. وائل عبد العزيز
التعليقات