من أدلّ ما يدلّ على بلوغ #الإمام_أطفيّش الاجتهاد المطلق أنّه ربّما رجّح من الأقوال خلاف المعتمد أو المشهور في المذهب الإباضي، وذلك لأنّه لا يسعه أن يقول بغير ما يؤدّيه إليه اجتهاده وافق في ذلك الرأي المعتمد في مذهبه أم خالفه، ولا بِدع في ذلك فهو الذي يقرّر هذه القاعدة ويلقّنها لطلّابه، فيقول: "والآية مانعة لمن قدر على الاجتهاد من التقليد، أو مانعة لمن قدر على النّظر والترجيح أن يقلّد قولاً من الأقوال، ويترك نظره وترجيح ما يظهر ترجيحه له، واتّباع القرآن والسنة ليس تقليداً"، ثمّ يبيّن أنّ من وافق الحق وهو القرآن والسنّة فهو السواد الأعظم ولو كان قليلاً، وأنّ من خالف الحق فهو المبتدع ولو كان جمهوراً، ثم يقول: "هذا ما يظهر لي بالاجتهاد، وكنت أقرّره للتلاميذ عام تسع وسبعين ومائتين وألف"، وهذه أمثلة على ذلك:
المسألة الأولى: أنّ المذهب عند الإباضية كون الآية: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِینَ یُطِیقُونَهُۥ فِدۡیَةࣱ طَعَامُ مِسۡكِینࣲۖ﴾ محكمة غير منسوخة مفسّرة بمعنى أنّ من لا يطيق الصيام لكبر ونحوه عليه الفدية وهي إطعام مسكين، بينما رأى الإمام أطفيّش أنّها منسوخة بوجوب الصيام على من شهد الشهر، فهو يقول: "وكون الآية محكمة مفسرة بما ذكر هو مذهب أصحابنا، والتحقيق أنها منسوخة".
المسألة الثانية: أنّ قول المذهب إبطال الوصية بالحبس في سبيل الله – وهو وقف مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه –، بينما رأى الإمام أطفيّش عدم إبطال الوصيّة بالحبس ما دامت في حدود ثلث المال، فقال: "هذا ما ظهر لي في تحرير المقام؛ فلا دليل في كلام ابن عباس للقول بإبطال الحبس مطلقا في المرض أو بعد الموت، ولو كان قول أصحابنا".
المسألة الثالثة: أنّ رأي المذهب الإباضي أنّ شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، بينما ذهب الإمام أطفيّش إلى أنّه شرع لنا، فقال: "والمذهب أنّ شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، والذي عندي أنّه شرع لنا".
*تخريج الفروع على الأصول عند الإمام محمد بن يوسف أطفيّش، لسيف بن سعيد العزري.