هل الحفظ والتسميع تعليم؟!

عندما كنا في المدرسة كنا نسمع دائما احفظ درسك ولا تشغل عقلك

وعندما دخلنا سوق العمل بدأنا نسمع كف عن الحفظ وشغل عقلك

وهذا تلخيص لإحدى معضلات الشباب هذه الآيام 

فبين نظام دراسي عقيم وسوق عمل لا يرحم يسقط الشباب بين مطرقة الجهل وسندان الواقع

فالشاب يجد نفسه بعد التخرج من الجامعة بتقدير ألحقت به مرتبة الشرف لا يزال يحبو أمام طبيعة المهمات الوظيفية والمهارات الحياتية المطلوبة منه

فلن يطلب منه مديره في العمل أن يحفظ كتابً عن ظهر قلب ليكبه كبا في ورقة أسئلة في نهاية الشهر ويحصل على راتبه بعدها

بل إن ذلك الشاب يجد نفسه مضطرا للتعامل مع مجموعة معقدة من المواقف والنظم والمفاوضات التي تبدأ من التفاوض غلى راتبه وصلولا إلى المنافسة بينه وبين الآخرين على المناصب والمكافآت

مجموعة من المهارات العقلية الأساسية تسمى المهارات الناعمة مثل مهارات التفكير المنطقي والنقدي والابداعي ومهارات حل المشاكل والتعامل مع الأزمات وإدارة العواطف

مهارات لم يسمع ذلك الشاب المتفوق عنها أي شيء خلال رحلة دراسته الطويلة التي قضاها بين جدران غرفته منكبًا على الكتب والمراجع معزولا عن العالم يحاول تحصيل أكبر قدر ممكن من الدرجات ظنًا منه أن تلك الدرجات في النهاية ستتحول إلى جنيهات، ليفاجئ بعدها بالواقع وقد ساوي بينه وبين من لم يدخل نفس الكلية ولا عرف عذاب الامتحانات في نفس الوظيفة واحيانا براتب أعلى فقط لأنه يمتلك نفس المعرفة والمهارة بالإضافة إلى قدرة على التفاوض والتسويق والإقناع

وهذا هو الدرس الذي نتعلمه بعد فترة التعليم الطويلة

كنا نصعد السلام ظانين أن جمهوراً متحمساً ينتظرنا في القمة إلا أننا وجدنا أنفسنا أمام ساحة واسعة بيضاء. 

هذا لا يعني أن التعليم غير مفيد بل هذا يعني أننا يجب أن نسأل انفسنا كيف يجب أن نتعلم وما الذي يجب أن نتعلمه بالتحديد؟

وهل المعلومات وحدها تكفي لتصبح عبقريا أم أن المهارات والتجارب والأخطاء هي التي تصنع العبقرية؟

صحيح ليس على كل الناس أن يكونوا عباقرة لكن عامل المصنع الذي يمتلك بعض المهارات الحياتيه الخاصة التي تساعده على إدارة حياته سيكون أفضل ممن يفاجئك بمصيبة حصلت معه فقط لانه لم يكن يعلم ما هو التصرف الصحيح

كثير من الناس حتى هذه الآيام يرش الماء على الزيت الملتهب رغم أن التحذيرات المستمرة من التوابع الخطيرة لذلك الفعل المتهور 

لذلك فحسن ادارة الذات وحسن التصرف في الأزمات وباقي المهارات الحياتية الخاصة ليست من الرفاهية التي لا يجب أن يتعلمها إلا رجال الأعمال والأغنياء

بل إنها مهمة جداً حتى في أبسط المواقف والأمور

لا قدر الله إذا اغمي عليك في الشارع فإن بعض الناس يمكن أن يقتلك بجهله حين يسقيك كوب ماء بسكر في حين أن سبب غيبوبتك هو ارتفاع السكر في دمك

مع أن العمل الصحيح هنا ألا يفعل أي شيء إلا أن يطلب الأسعاف 

هذه الأمور والمواقف تحدث في كل مكان ومع أي احد وعدم قدرة الإنسان على العامل معها في بادئ أمرها يوصلنا إلى الكوارث والمصائب التي تخرب حياتنا بالكامل ولا يكون حسن التصرف بمعرفة المعلومات الصحيحة فقط أو معرفة كيفية التعامل مع المواقف معرفة سطحية

بل إني أتحدث هنا عن إدارة المشاعر والتفكير العقلاني في حالات الطوارئ فالكثير كن الناس رغم عمله بالتصرف الصحيح يركن دائما إلى التصرف الخاطئ بحكم العادة

العادة التي يعتبر تغيرها وإدارتها واحدة من المهارات الناعمة التي اتحدث عنها في هذا المقال

لذلك نحن لسنا بحاجة إلى مدارس بقدر حاجتنا إلى الورش

ورش تعلم الطفل من خلال الموقف المحسوب والمغامرة المحكومة

كي يكتسب الطفل المهارة اللازمة للتعامل مع المشاكل التي يكمن حلها في معرفة المعلومة التي قامت الحصة عليها

الحصة التي هي عبارة عن حكاية صغيرة يومية يكون الطفل بطلها 

كان لدي سؤال دائما وهو لماذا لا توجد معاهد لتخريج باعئ الخضار أو الملابس أو جزاري اللحوم أو محلات بيع الدواجن

أليست كل تلك المهن تحتاج إلى معرفة ومعلومات وتعلم مهارات خاصة 

لماذا توجد كليات تعلم مجموعة متنوعة من المعارف لكنها تهمل المهارات اللازمة لتنفيذ تلك المعارف والاستفادة منها

هذه الأسئلة كلها تدور دائما في عقلي وانا أتسائل عن مستقبل ابني المستقبلي

كيف سأتمكن من تعليميه وسط نظام لا يحترم عقله إلا إذا دفعت أنا دماء قلبي في مقابل ذلك ولا ضمانة لي فوق ذلك

فقد يدخل ابني ارقى المعاهد وأجده في النهاية مدمنا على الملاهي مهملا للعلم والمعرفة

وهل التعليم الجيد حكر على الأغنياء فقط أم أنه يعتبر مهما أيضا للطبقة المتوسطة والفقيرة لأنها تشكل السواد الأعظم من المجتمع من العمال والصناع والفنين والباعة والحرفيين وغيرهم ممن يشكلون جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية.