عُرضتْ عليّّ دعوى مدنيةٌ حينما كنتُ قاضياً في المحكمة الابتدائية بسمائل، كانَ الطلبُ فيها إزالة جدار ونافذة من أرض الجار، فكانَ الحكمُ - بفضل الله تعالى -: نتاجَ بحثٍ حولَ تقييد تصرّف الإنسان في ملكه بما لا يضرّ بالغير، والغاية من مشروعية الحريم في الأموال، وخلاصةُ ذلك أنّه "من المقرّر شرعاً أنّ الإنسان له أن يتصرف في ملكه بما يشاء بشرط أن يكون التصرف جائزاً شرعاً وأن لا يلحق الضرر بغيره، إعمالاً للقاعدة الشرعية فيما يتعلق بالشرط الثاني "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، وعلى نحو هذا جرى قانون المعاملات المدنية، فقد نصّت المادة (798) على أنّ "حق الملكية هو سلطة المالك في أن يستعمل الشيء المملوك له وأن يستغله وأن يتصرف فيه بجميع التصرفات الجائزة شرعاً"، وجاءت المادة (803/1) مقيّدة تلك السلطة بعدم إلحاق الضرر بالغير فنصّت على أنّه "إذا أحدث المالك في استعماله لملكه ضرراً لغيره كان للمضرور أن يطلب إزالة الضرر مع حقه في التعويض إن كان له مقتضى"، ومؤدّى ذلك كلّه مراعاة مدى توافر الضرر بالغير في هذا المحدَث إذا كان الحدث في ملك المحدِث"، "ومن المعلوم شرعاً أنّ مشروعية الحريم في الأموال إنّما هي لدفع الضرر عن الجار، فمن أراد أن يزرع شجراً فعليه أن يحرم في ماله مقدار ما يصرف الضرر عن جاره ولا ينيف شيء من ذلك الشجر على مال جاره، ولهذا اختلفت المقادير للإحرام حسب أنواع الشجر، أما في حال إرادة البناء فإنّه لا يلزم أن يحرم في ماله عن جاره؛ إذا لا ضرر من حيث الأصل في البناء غالباً إلا أن يكون ضرر من قبيل حجب الشمس أو اطلاع الجار على عورات جاره ونحو ذلك، جاء في جوابات المحقق سعيد بن خلفان الخليلي ج4 ص495 -496 في جواب سؤالٍ عمن بنى جداراً في ماله بحذاء جاره، هل عليه أن يحرم عن أرض جاره أم لا حريم عليه: "لا حريم عليه إذا بنى في ماله"، بل على جار صاحب الجدار أن يحرم بما لا يلحق الضرر بالجدار، جاء في المصنف ج17 ص189: "ويفسح عن الجدار للماء والفسل والزراعة بقدر ما يرى العدول أنّه لا مضرة عليها"، وفي ص190: "ومن جامع ابن جعفر: وكذلك يصرف عن الجدر ما يضر بها من الزراعة والماء ويفسح ذلك حتى يرى العدول أنّه لا مضرة فيه"، فلما ثبت أنّ المدعى عليه قد بنى الجدار في ملكه، ولم يثبتْ على المدعي ضررٌ من بناء المدعى عليه ذلك الجدار ولا من فتح النافذة على مالِ المدعي، فقد حكمت المحكمة برفض الدعوى.
التعليقات