ينتشر في علوم التربية الحديثة مصطلح "التعليم التلقيني" وقد شاعت مؤخراً حوله الدراسات التي تزدريه، وتطالب المعلمين بتجنبه قدر الإمكان، ولكن هل استخدام التلقين في التعليم سلبيٌ كله؟ أم أنه يوجد للتعليم التلقيني إيجابيات يمكن استخدامها لتحقيق أهداف أساسية وتنمية مهارات عديدة.

 لنتأمل معاً قليلاً ونعود بذاكرتنا إلى أقصى ما يتذكره الإنسان عن نفسه، كيف حافظ الإنسان على نفسه من الانقراض؟ وكيف استمر بالتعلم قبل آلاف السنين؟ إنه أسلوب التوارث الفطري في طبيعتنا، بحيث ينقل الأب علومه وخبراته وتجاربه إلى أبنائه ولا يختلف الأمر كثيراً في حاضر أيامنا حيث نولد فنتعلم بالمحاكاة والتقليد المشي والكلام ومن ثمة نمط التفكير ذاته، فالتلقين هو الأسلوب الأول الذي نُعلم به أبنائنا الأطفال في هذه الأيام، وهل رأيت يوماً أباً يُخير طفله بين الحليب وبين عصير غازي؟ معللاً فعلته بأنه يريد تعليم ابنه بالتجربة وبإتاحة الفرصة له ليشاركه في تحديد ما هو مفيدٌ له!

 وعلى اختلاف الزمان والمكان يتمحور التعليم حول تعريفه الأساسي نقل المعرفة من المعلم للمتعلم، وعلى اختلاف المناهج والنظريات التعليمية فإن تحقيق نقل المعرفة بطريقة سليمة وواضحة وبدون منع للإبداع يكون هدف التعليم قد تحقق، فلماذا من أجل إقرار أسلوب تعليمي ما، يضطر بعض الباحثين القدح في باقي الأساليب التعليمية، مع أن الدراسات الحديثة أثبتت نقص جميع الأساليب التعليمية. حتى الحديثة منها. فهل يا ترى لو تم الجمع بين أكثر من نظرية وأكثر من أسلوب. أن نجد الحل الأمثل للعملية التعليمية بعيداً عن التعصب لمدرسة تعليمية ما.

برأيي أن التعليم التقليدي له سلبيات يحاول الكثيرين إثباتها، وقد يصح بعضها، إلا أنه برأيي ثمة إيجابيات للتعليم التلقيني أهمها:

تنمية مهارة الحفظ والتي غالباً لا تحتاج إلى مهارات حسابية كبيرة ولا تعتمد على التحليل، خصوصا الطلاب من ذوي الفئات العمرية الأولى حيث أن العلماء قد قسّموا ذاكرة الحفظ في الدماغ البشري إلى ذاكرة حفظ قصيرة المدى وذاكرة حفظ طويلة المدى وقد وجدوا أن الدماغ حين يستقبل المعلومات للمرة الأولى فإنه يخزنها في ذاكرة الحفظ قصيرة المدى والتي لا يمكن تذكر تلك المعلومات بعد فترة بسيطة من الزمن ولكن التكرار على الدماغ بذكر معلومة ما، فإنه يحفز الدماغ على حفظها في ذاكرة الحفظ طويلة المدى، وبهذا يحقق التعلم بالتكرار هدفاً سامياً في التعليمية التعليمية ألا وهو الاستفادة من المعارف التي يتم تعلمها حتى ولو بعد فترات طويلة الأمد فالتعليم لا يهدف منه تجاوز الاختبار النهائي لمرحلة دراسية ما بل أيضاً أن يستفيد المتعلم من علومه في كل مراحل حياته.

لأن تنميته مهم جداً للطالب خصوصاً فئة الأطفال، ولكن برأيي أنه لا بد الحذر عند التعامل مع هذا النمط التعليمي وأن يكون وجوده جانباً لجنب استخدام أنماط تعليمية مختلفة تُنمي مهارات الذكاء والتحليل والتفكير الإبداعي.

وأعتقد أن جزء مهم من التعليم التلقيني يعتبر قاعدة أساسية صلبة يمكن للفكر الإبداعي التحليق من خلاله والعودة على أرض فكرية ثابتة وصلبة.