سمعت مؤخرا أغنية للفنان المصري تامر حُسني اسمها "عيش بشوقك"، و أعتقد أنها ليست جديدة، و حقيقة فقد أعجبني توزيع و لحن الأغنية، و لكن استفزتني كلمات الأغنية، وفكرةُ الأغنية ببساطة هي أن الفلوس "مش مهمة أوي" و يمكنك أن تعيش فرحا و ترقص رغم أن جيبك مثقوب و "ماعندكش و لا مليم"، و وجدت أن كلمات الأغنية تستحق تحليلا اقتصاديا و لو بسيطا. لا يستحق الأمر ورقة علمية معمقة لأن الأكيد ان كاتب الكلمات كان هدفه رفع معنويات المواطن في ظل موجات الغلاء التي تعصف بالعالم منذ زمن ليس بالقصير.
صراحة إن أي شخص درس الاقتصاد أو لديه أفكار مبدئية عن الاقتصاد، سيُندد بكاتب كلمات الأغنية التي تهدم ما بناه علماء الاقتصاد على مر قرون...كيف ذلك؟؟؟
بُني صرح الاقتصاد الجزئي microéconomie على مفهوم المستهلك العقلاني le consommateur rationnel أي أن المستهلك يحاول تحقيق أقصى درجة من الرضى "l'utilité" و بميزانية محدودة، يعني مثلا إذا كانت ميزانيتك 100 درهم فسيكون خيارك الأمثل و الأرشد هو أن تشري بطاطا و عدس و دقيق، و ليس شيبسا على و حلويات و مشروبات غازية. و نظرية المستهلك العقلاني لها تفرعات عدة و حاولت رصد كيف يقوم المستهلك باختياراته و كيف يتعامل مع السوق و ذلك تحت شعار "أنا كائن عقلاني (غير سفيه طبعا) و منطقي جدا و قراراتي مبنية على تحليل عقلاني محض".
نرجع الآن لِنجم الجيل الفنان تامر حسني حيث يقول في أغنيته الخالدة " اصرف ما في الجيب و اشحذ بكرا عادي" : و الطبيعي و المنطقي هو أن تكون لديك رؤية مالية استراتيجية و تقوم بتسيير مواردك بطريقة حكيمة و لا تبذر...لكن تامر يقول لك أخي المواطن اطحن راتبك و دلع نفسك وعش الحياة ولا تحمِل همَّ الغد...و هذا واقع الملايين...أول الشهر إسراف في الإنفاق و آخره ديون.
ويقول أيضا " لو ساكن فوق السطح اعتبرو سويت suite في أحلى فنادق"...و صراحة أعتقد أنه كان حريا بوزارة الإسكان و التعمير المصرية أن تعطي تامر جائزة قومية لأنه وفر عليها التخطيط لسياسات مُكلفة ترمي لإيجاد حلول لسكان ما يسمى ب"العشوائيات" في مصر (الكاريانات) و المنتشرة أيضا في كثير من الداننا العربية. و لو طبق سكانها نصيحة تامر لما طالبوا بسكن لائق لهم و لأولادهم...فقط غمض عينيك و تخيل نفسك في فيلا في المعادي مثلا.
كخلاصة، (و تقبلوا مني جرعة المزاح هاته هههه) أقترح تعاونا بين الفنانين و الاقتصاديين عندنا في الوطن العربي من أجل إخراج أغاني فيها رسائل اقتصادية ترفع معنويات الرأي العام الوطني و تُطربنا بمواويل ماكرواقتصادية تحمل الأمل بِغد مليء بالازدهار و النماء ههه.