تركت حذاءها عند الباب.

تركت الضوء مشتعلاً في غرفتها.

تركت كوبها في الحوض، نصفه ممتلئ،

والماء لا يزال ينتظر شفتيها.

ابتلعها الليل كما يبتلع الحلق المغلق،

ثم لفظها في جوف سيارة

بلا لوحة أرقام، بلا أضواء أمامية،

فقط صوت الإطارات يهمس

في طريق لن تعود منه أبداً.

ضباب أنفاسها لامس نافذة السيارة،

شبحٌ من نفسها،

رقيق وعابر.

كتبت اسمها على الزجاج،

لكنه تلاشى قبل أن تصل إلى إشارة المرور التالية.

وفي مكان ما، على بعد أميال،

كان والدها يتصل بهاتفها،

يستمع إلى الرنين،

إلى الصمت،

إلى الصوت الذي لن يقول "مرحباً" مرة أخرى.

كلبها ينتظر عند الباب،

أذناه منتصبتان، وذيله ملتف،

ينتظر خطواتٍ لن تعود.

بحلول الصباح، سيتذوق الهواء الطعم ذاته.

وبالظهيرة، سيظلّ لون السماء أزرق.

وبالمساء، ستضع أمها ثلاثة أطباق على المائدة.

لن تدرك أن الكراسي ليست صحيحة.

لن تعرف أن في مكانٍ ما،

على بعد أميال، فتاةً تشبهها

مدفونة في تراب لا يكفي لإخفاء سر.

هي الشيء الذي لا يتحدثون عنه.

القضايا غير المحلولة،

الخيط الأحمر على الجدار الذي لا يصل لأي مكان.

هي السبب في بقاء بعض البيوت خاوية،

في عواء الريح عبر النوافذ المحطّمة،

في عودة بعض النساء في توابيت.

سيبحثون عنها.

سيحفرون الغابات،

ينزعون التراب بأيدٍ مرتجفة،

يصلّون ليجدوا فتاة،

ويصلّون ألا يجدوا جسداً.

لن يجدوها.

ليست كاملة.

ليست حيّة.

ليست شيئاً يمكن تسميته "فتاة" بعد الآن.

سيضعون صورتها على الملصقات،

على عبوات الحليب،

في نشرات الأخبار المسائية.

فتاة شقراء بعينين ناعمتين،

واسم أضعف من أن يُنقش على شاهد قبر.

سيسمونها مأساة.

سينطقون اسمها وكأنهم يعتذرون.

سيقولون إنها "هربت"

لأن قول "تم اختطافها" أصعب.

لأنهم إن قالوا ذلك،

فعليهم الاعتراف بأنه لا يزال هناك.

وهو كذلك.

يمشي أمام ملصقات المفقودين بعينين ميّتتين،

يشرب القهوة في محطات الوقود،

يدندن في طوابير الدفع.