أعتقد أن الموضوع مكانه مجتمع ساسة، ولكنه مجتمع مهجور نسبيًا، لذا سأبقى هنا أفضل.
فرج فودة كاتب ومفكر مصري، مسلم الديانة علماني السياسة، لديه الكثير من الكتب ديني والآخر سياسي، طالب بفصل الدين عن الدولة بدعوى أن الإسلام لم يضع نظامًا للحكم، وأن الرسول كان حاكمًا لأنه من أنشأ ذلك المجتمع، وله حوار مشهور في معرض الكتاب وتكملته في دار المهندسين في الإسكندرية عن الدولة المدنية والدولة الدينية.
اتهمته جبهة علماء الأزهر بالكفر مما أدى لإغتياله ١٩٩٢، بعد أن كان في طريقه لإنشاء "حزب المستقبل" العلماني، وترك لنا الكثير من كتبه ومقالاته ومناظراته في فترة مهمة من تاريخ مصر السياسي المعاصر تتسم بكثرة الأحزاب وارتفاع نسبي في مؤشر الحرية السياسية.
من أقواله في محاضراته عن "الدولة المدنية والدينية" أنه يتقبل مبادئ الشريعة الإسلامية كما ينص عليها الدستور مكررًا إياها في وجه الطرف الآخر الذي ظل يردد "تطبيق الشريعة الإسلامية" وهو بالتأكيد الطرف الأهم في مصر وهو شيخ الأزهر الغزالي ومفكر اسلامي ومستشار ينتمي للإخوان اسمه الهضيبي حسب ما أتذكر، ومن الحجج التي حملها عليهم هي أنهم لا يملكون "برنامجًا إنتخابيًا" -والذي أشك في إمتلاكهم له حتى الآن- حتى دعاه الهضيبي إلى كتابة برنامج إنتخابي لجماعته "الإخوان" وتقبل فرج فودة العرض بصدر رحب.
ومن أهم أقواله في تلك المناظرة أنها من ثمار المدنية حيث يمكنهم النقاش والتحدث ويخرجون "ورءوسهم على أكتافهم" ولسخرية القدر يبدو أنه هو الوحيد الذي لم يخرج ورأسه على كتفه، ومن إعتراضاته على مطالباتهم بتطبيق الحدود أنهم قصروا الدين في تطبيق الحدود وأن تطبيق الحدود ومتطلبات هذا التطبيق لم تعد ممكنة في عصرنا هذا، فمثلًا في حد السرقة يرى أنه من الخطير الثقة في "اثنين شهود من على باب المحكمة" وكذلك يرى في الزنا، وهو ما حمله عليه البعض في أنه يبيح زواج المتعة.
يكرر فرج فودة في هيستريا أن الإسلام لا كهنوت به، ويطالب بكثرة الداعين لدولة دينية ببرنامج سياسي واضح لا يعتمد على الشعارات، ويطالبهم بدليل شرعي على وجود نظام معين للحكم في الإسلام، ويكرر دائمًا حجة التاريخ وكيف انتهت الحكومات التي كانت تصف نفسها بالاسلامية مثل الدول الاموية والعباسية والعثمانية كيف انتهت، وأن الجميع يتفق على ظلم حكام بني عباس وبني أمية عدا فترة الخلفاء، ويقول أن ١٤٠٠ سنة من ادعاء الحكم بشرع الله لا تؤدي سوى ل٥ خلفاء عادلين بأقصى تقدير.
ومن السقطات للشيخ الغزالي -رحمه الله- وفريق الدولة الدينية هي قوله بطاعة الحاكم حتى لو كان ظالمًا طالما يطبق شرع الله ولا يجرؤ على منع حد من حدود الله، وهي الثغرة التي سمحت لفرج فودة بتوجيه لكمة قاضية في نظري وهي "هل الظلم تحقيق لشرع الله؟" وكيف يكون ظالمًا وفي نفس الوقت يطبق شرع الله، هل تقصر شرع الله في الحدود؟ أم أن روح الاسلام تتسم بالظلم؟
عندما أقرأ كتابًا وجدته على الانترنت على الأغلب أنه مقالات مجمعة لفرج فودة وهو "الأعمال الكاملة لفرج فودة" لأنه لا يتضمن كتبه ولكن يتضمن محاضراته بشكل مكتوب، أتحسر على أيامنا، وأتخيل هذه البيئة السياسية الخصبة وما كان ليحدث لو استمرت هذه النقاشات، على الأقل كنا وجدنا برنامجًا سياسيًا للإخوان لا يعتمد على الشعارات.
فرج فودة بلا شك كان شخصية مفكرة هامة في تاريخ مصر السياسي، ونهايته كانت علامة لنهاية شيئ ما في مصر، شيئ هام جدًا، وهو الحرية الفكرية، واستكمال لمعركة التكفير القديمة في تاريخنا العربي، فهل يا ترى سيجيئ يوم تقام لدينا مناظرات "نخرج منها ورءوسنا فوق أكتافنا"؟
أه، من الضروري أن أنوه أنها لم تكن نقاشات فارغة، ففي المناظرة الثانية في الاسكندرية توصل الفريقان لفهم بعضهما أكثر وأدركوا أنهم يتفقان أكثر مما يختلفان، وحتى قرروا تغيير عنوان المناظرة كنوع من السفسطة الممتعة، وهذا لمن يود القول أن النقاش لا يؤدي إلى نتيجة.
أعجبتني خاصية النشر الخفي هذه، ولكن أرى أنها تخلق مشكلات عدة، كيف مثلًا ستفرق بين صاحب الموضوع وترول جاء ليمرح؟
التعليقات