إن أسوأ شيء قد يصادفه المرء هو أن يُرسم له طريق ، هذا الطريق من الأجباري المرور من خلاله ، بلا أعمدة إنارة ، بلا شواخص مرورية وفي منتصف الليل...

يعيش هذا الشخص وقد طبَعَ المجتمع والأهل في عقله مبدأ إعمل أكثر لتجني أكثر ، وقد نسوا الكثير من الأمور الأخرى ، نسوا أن المجتمع عامل مؤثر ، وأن المدرسة عامل مؤثر ، أن البيئة والنظام العام بإكمله عامل مؤثر .

=========

منذ فترة ظهرَ في نفسي سيناريو الحياة البسيطة الذي يعيشه نسبة كبيرة جدًا من الشعوب العربية، أسميته مبدأ الديمومة الإجتماعية ، لكي يَسهُلَ علي ذكره ( لنفسي ولغيري ) دون الحاجة لسرد التفاصيل التي ترافق هذا المبدأ

عادة أطلق مصطلحات كثيرة على أمور مختلفة الاحظها ولا أستطيع وصفها بشكل جيد ، فأصفها ضمنيًا وأطلق عليها أسم معين.

==========

الديمومة الإجتماعية تعني عدم التطور الإجتماعي بالمجمل ؛ لتصل الصورة أكثر ، تخيّل معي خالد ، شاب عادي ولكنه طموح ، ذكي ولكن ينطفىء بسرعة ، أوجده الله ضمن أسرة فقيرة ولكنها راضية ،صغيرة ولكنها كبيرة بروابطها .

يكبر خالد بعلاقة عكسية مع معدل نقصان أحلامه وطموحه ، فكأنما كُلما ازداد في العمر عام ، نقص طموحه وتضائل ، يدخل خالد المرحلة الثانوية ، يتخرج منها بتقدير متوسط ( حاله كحال السواد الأعظم من العرب ) ، يدخل خالد وظيفته الحكومية ....

في هذه اللحظة يتم إنشاء ملف حياة خالد بشكل ضمني ، يُكتب فيه : على خالد أن يعمل مدة ٢٠ سنة من الساعة الثامنة صباحا وحتى ٢ عصرًا ، طوال هذه السنين لا يحق لخالد بتجاوز ٣٠٠ آجازة مدفوعة ، أعلى راتب سيصل له خالد هو ٤٥٠ دينار ، مجموع ما سيحصل عليه خالد طوال سنين العمل هو ٢٠٠ ألف دينار .... خالد سيعيش ضمن الكادحين الذين يعيشون يومهم بيوم.

هذا هو مبدأ الديمومة الأجتماعية ، أن يحكم عليك من ستكون وكيف ستكون ، لن تتطور أو تتقدم ، مكانتك الإجتماعية ، وطبيعه معارفك ...

ذات يوم ، قررت الخروج من الريف - أو بالأحرى اضطررت - إلى العاصمة لأنهي بعض الأعمال ،

الريف في ذهني له صورة مثالية للغاية ، صورة غاية في الجمال ، فهو نقي ، وغير معقد ،واسع

المساحة وصغير الحجم ، يحبه كل أفراده.

عندما وصلت العاصمة ، وجدت نمط حياة مختلف كليًا ، مستوى عال من الرفاهية ، سيارات لو بعت واحدة منها ، حصّلت رواتب نصف أهل القرية ، لم يزعجني هذا ، بل زاد في نفسي الحيرة .

لكن بقليل من النظر والتركيز ، وجدت مدارس حكومية عالية الكفاءة بمخرجات ممتازة للغاية ، تنتج فتيان قادرين على القول والتنفيذ ، بمستقبل وأفق أيجابية للغاية ،

وجدت نظام صحي قوي ، مجتمع متعلم وبذخ ، أسقطت في نفسي مباشرة صورة الكابيتول في فيلم hunger game على هذه العاصمة ، أما قريتي فهي أحدى المقاطعات المسكينة .

أحس وكأن أهل القرى قد كٌتب عليهم العمل بجهد ، ولفترات طويلة ، طويلة للغاية وبلا مردود يذكر ، نتوقف قليلًا ، ونعترض؟ ، ام نموت ونكمل؟