رغم أن الأدب العربي يزخر بالأدباء العرب الاستثنائيين الذين قدّموا نتاجاً ملفتاً على صعيد الرواية، منهم: السعودي عبد الرحمن منيف، والمصريون احسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ويوسف زيدان، واللبناني ربيع جابر، والسوريون فوّاز حداد وغادة السمان ومحمد الماغوط، والفلسطينية مي زيادة، وغيرهم..

ولكن مازال سؤال (من تعرف من كتاب الرواية العرب؟) يحمل إجابة واحدة بالنسبة لجيل الشباب (الجزائرية أحلام مستغانمي).

التواضع الأدبي وغياب المخيلة

رغم التواضع القصصي وغياب المخيّلة لدى الكاتبة الجزائرية ولكن هناك افتتان بنتاجها الروائي بالنسبة للجيل العربي الشاب، فثلاثيتها الأشهر (ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير) وهي (أكثر الروايات معرفة بالنسبة للشباب) تتبع سياسة التنميق والبهرجة في الكلمات والألفاظ وتحوي بعضاً من السجع والصور والتناص (فمستغانمي محترفة في اللغة)..

إلا أنها تفتقر للحبكة والمخيلة والقصة، وقارئ الثلاثية لن يجد مسارا قصصيا واضحا وتصاعد للحبكة العامة، كما لن يجد حبكات فرعية مكمّلة، بل سيقرئ مجموعة من الكلمات المصفوفة بعناية منمّقة ومشدودة دون داعي أو مسوغ أو سبب.

كما سيلاحظ أن الروايات الثلاثة متطابقة فكرياً وقصصياً (على تواضعها القصصي)، ولا تحوي أي طروحات إنسانية أو حياتية أو اجتماعية باستثناء حب ضائع وعلاقات غرامية مبتذلة على طريقة الدراما التركية.

رواية ذاكرة الجسد للكاتبة أحلام مستغماني

أحلام مستغانمي والشهرة الكاذبة

الشهرة الكبيرة التي تتمتع بها أحلام مستغانمي دعائية في المقام الأول، ولا ترتبط بقدرات روائية أو أدبية، بل ترتبط بطبيعة النِتاج المقدّم، فلطالما جذبت قصص الحب والعذاب والألم المتابع العربي (قارئا كان أو مشاهدا).

وربما أكبر دليل على ذلك الانجذاب غير المفهوم للأعمال التركية الرومانسية التلفزيونية، فرغم تواضع المستوى الفني في هذه الأعمال فإن نسب المشاهدة العربية مرتفعة جداً، وهو أمر مشابه إلى حد كبير مع روايات أحلام مستغانمي ، فرغم المستوى الأدبي والفكري المتواضع لكتاباتها ولكن هناك تهافتا كبيرا على نتاجها.

تصديرها من قبل الإعلام كروائية خارقة للطبيعة، انفضح مؤخراً على أنه تصدير كاذب ناتج عن شهرة مفبركة، خاصة مع آخر أعمالها الروائية الأدبية، (نسيان، الأسود يليق بك)، وهما عملان أقل ما يمكن أن يقال عنهما أنهما بعيدان عن ألف باء فنون الرواية والأدب..

حتى اللعب على الكلمات التي استخدمته في رواياتها الثلاثة الأولى غاب في الأعمال اللاحقة، فرواية (الأسود يليق بك) إضافة إلى غياب القصة والحبكة والمخيلة افتقرت للقدرات اللغوية التي ذكرناها سابقاً.

رواية الأسود يليق بك للكاتبة أحلام مستغماني

(مستغانمي) كانت ذكيّة في المواضيع التي تناولتها ولكنها لم تكن حرفية في طريقة تناولها، حيث اختارت الثالوث المحرم (المقدس) لدى الأمة العربية (الدين، الجنس، السياسة) وهو أحد القضايا التي دائماً ما تحمل عنصر جذب وإثارة بالنسبة لنا..

ولكنها كما فعلت الدراما السورية والمصرية في عديد من الأعمال التلفزيونية، اعتمدت (الكاتبة الجزائرية) على المظاهر والأشكال، وقدمت أفكارا مبعثرة وغير محبوكة، فلا يكفي أن تتحدث عن الانتماء الديني دون أن تناقشه، ولا يكفي أن تعرّج على العلاقات الجنسية داخل رباط الزواج أو خارجه دون أن تفنّده وتقدّم أسبابه وتعطي الحلول له، ولا يجعل منك مميزاً أن تتحدث بالسياسة دون أن تكون ملماً بـ(دخاليجها) وأبوابها وحيثياتها، ودون أن تعطيها الحيّز الكافي فكرياً وانسانياً واجتماعياً.

اقتباسات

تذخر مواقع التواصل الاجتماعي باقتباسات من أعمال الروائية الجزائرية، والغريب في الأمر أن من يقتبس كلماتها لا يلقي بالاً لمحتوى الاقتباس، فالافتتان العربي باسم (مستغانمي) يعطي أي شيء يحمل توقيعها شرعية إعادة النشر، حتى لو كان محتواه مفرّغا من المعاني أو مجرد رصف للكلمات.

فنقرأ في بعض الجمل المقتبسة..

من الأسود يليق بك

الحداد ليس فيما نرتديه بل فيما نراه، إنّه يكمن في نظرتنا للأشياء، بإمكان عيون قلبنا أن تكون في حداد… ولا أحد يدري بذلك.

الحبّ هو اثنان يضحكان للأشياء نفسها، يحزنان في اللحظة نفسها، يشتعلان وينطفئان معاً بعود كبريت واحد، دون تنسيق أو اتّفاق.

الحب هو ذكاء المسافة. ألّا تقترب كثيراً فتُلغي اللهفة، ولا تبتعد طويلًا فتُنسى. ألّا تضع حطبك دفعةً واحدةً في موقد من تُحب. أن تُبقيه مشتعلًا بتحريكك الحطب ليس أكثر، دون أن يلمح الآخر يدك المحرّكة لمشاعره ومسار قدره.

من فوضى الحواس

أصبحت امرأة حرة .. فقط لأنني قررت أن أكف عن الحلم، الحرية ألا تنتظر شيئاً. والترقب حالة عبودية.

يبدأ الكذب حقا عندما نكون مرغمين على الجواب ما عدا هذا فكل ما سأقوله لك من تلقاء نفسي هو صادق.

اقتباس من احدى روايات أحلام مستغانمي

وغيرها من الكلمات والجمل التي أطلقتها في رواياتها وتناقلها (المعجبون؟!). المدقق في هذه الكلمات سيجد أنها عبارة عن تنظير فارغ، لا يحوي أي أبعاد، كلمات مكرورة وممجوجة، (صف كلام) كما يقال بالعامية.

والملفت في الأمر أن أحلام مستغانمي عرّفت حب المتابع للكاتب بهذه الكلمات: “لماذا نحب كاتباً بالذات؟ لا لأنّه يُبهرنا بتفوقه علينا، بل لأنّه يُدهشنا بتشابهه معنا. لأنه يبوح لنا بخطاياه ومخاوفه وأسراره، التي ليست سوى أسرارنا. والتي لا نملك شجاعة الاعتراف بها، حتى لهذا الكاتب نفسه”.

وفي الحقيقة (مستغانمي) لا تدهشنا بتشابهها معنا على العكس فهي لا تشبهنا أبداً، وقصصها أبعد ما تكون عنا وعن واقعنا، وأسرارها التي تبوح بها لا تمت بصلة لأسرارنا، حتى أنها لا تبهرنا بتفوقها علينا.

كل ما تفعله هو خلق عالم خاص بها، سطحي، جاف، فارغ، ومنمّق ببروبوغندا إعلامية رخيصة، ومسلح بقضايا كبيرة كـ(الثالوث المحرم) ولكن بمعالجة فقيرة…

الفن الروائي

بطبيعة الحال النموذج الذي ذكرته فيما سبق يوجد منه الكثير من النماذج الأخرى في الأدب العربي، وحتى العالمي في بعض الأحيان، لكتّاب متواضعين أدبياً ومشهورين إعلامياً.

ولكن في المقابل هناك أعمال روائية استثنائية أدبياً وفكرياً، كخماسية مدن الملح لعبد الرحمن منيف، دروز بلغراد لربيع جابر، جنود الله لفواز حداد، عزازايل ليوسف زيدان، وغيرها من الروايات العربية التي يمكن أن تكون نموذجاً معاكساً، نموذجاً للأدب الراقي الملتصق بالواقع والقريب من حياتنا، والملبّي لطموحاتنا، والشاحذ لمخيلتنا.