ولدنا فحققناً حلم آبائنا، وكبرنا لينسج حولنا الخيال الخصب عالماً من الأحلام، وعلى عكس معظم للأطفال الذين يحلمون خلال نومهم، كانت أحلامنا يقظة، نراها ونعيشها كما نرى الحياة ونعيشها، إلا أن العالم لم يكن مستعداّ بعد لاستقبالنا، فعوملنا كالمجانين والممسوسين والمضطربين، وصارت تلك الاحلام التي كانت تزين واقنعا سجناً لنا، سجناً يعزلنا عن الواقع ويصرف عنا كل من يحاول التقرب منا.

صحيح أن منا من أصبح فناناً أو مخترعاً أو حتى قاوم احلامه واندمج في مجتمعه، لكنهم قِلة، أما الباقي فهم يعانون بين واقع لا يتقبلهم ولا يعترف بإمكانياتهم، وأحلام تطير بعقولهم إلى عنان السماء، حتى ولو لم يكن الوقت مناسباً للطيران، فنحن نطير إذا ضاقت بنا الأمكنة أو ضاقت علينا الانفس، نحلم لكي نعيش في خيالنا معيشة حرمنا منها واقعنا بسبب أحلامنا، فعالمنا صار يقدس التركيز والسرعة والمهارة الفائقة، في عصر غابت فيه العقول وغاصت في فضاء رقمي مزيف، لا فيه جموح الأحلام ولذتها، ولا فيه جِد الحياة وإنجازاتها، فضاء موازي حرم الناس من خيالهم ومن تواصلهم، وهو ينهش في أعمارهم، وكأنه وباء لا علاج له، يسحر من يصاب به، فلا يسعى ولا يتمنى الشفاء منه أبداً.

عندما كنت صغيرا كنت أرى العالم من خلف شاشة خيالي، وكان جميلاً ساحراً مفعماً بالفرص والتحديات، والآن بات خيالي ملوثاً بمخلفات واقعي، فصار كابوساً يراودني كل صباح.