أنا سوري .. أنا متطوع

المأساة تدق في نعشنا كل يوم ألف مسمار إن لم نتحرك و نبذل الغالي والثمين .. فإن كنا قد فقدنا وطننا فما الذي نملكه بعد ؟

قيمة مضافة ..

على مدى السنوات الخمس المنصرمة , مرت الشخصية السورية بتفاعلات رهيبة أعادت تشكيل ملامحها من جديد وأضافت إليها مكونات أخرى زادت من وعيها بذاتها و غدت أكثر إدراكاً إلى دورها ومسؤوليتها المجتمعية .

لم يسبق وأن مرّ السوريون سابقاً بكوارث جليلة أجبرتهم على النزوح واللجوء والهجرة في تاريخهم الأصيل الممتد حتى العقد الجاري وحدوث زلزال الأزمة السورية .. ربما - وبالنظر إلى إيجابية الأمر – فقد دفعت الأزمة العديد منهم إلى الايجابية في التفكير ومن ثم العمل على شيء ما قد يخفف عن أرواحهم ما أصابها من جروح عميقة نازفة لم تندمل بعد !

أنا سوري .. أنا متطوع

ثقافة التطوع .. هي أحد أكثر القيم نشوءاً وتشكلاً في بنية الشخصية السورية الجديدة ، إذ لم يكن العمل المدني أو المجتمعي متأصلاً سابقاً لأسباب غنية عن التعريف , لا أقل أنها ليست موجودة لكنها لم تكن سائدة كسمة بين الأفراد بحيث طرقت فؤاد وعقل كل سوري حدّث نفسه بالتطوع أو بتقديم العمل الخيري إن صح الترادف .

وما يدلل على حديثي السابق رؤيتي للكثير من الفرق التطوعية التي تكتلت واتحدت تحت هدف أو أهداف مشتركة ووضعت نصب عينيها رتي ما نال الرداء السوري من تهتك و تمزق .

التطوع فرض عين لا كفاية ..

كل يوم .. يضاف إلى الذاكرة الجمعية السورية وأرشيف معاناتها و ألبوم صورها خبراً يندى له جبين الإنسانية يتلقاه السوري في غربته سكيناً تمزق روحه .. أما من تبقى في الداخل .. فله الله !

لست هنا بصدد التجرؤ على إصدار فتوى أكثر من كون الجانب الإنساني الذي يصرخ بكيانيَ السوري يجعلني أقول أن التطوع فرض عين على كل( سوري وسورية ) قادراً في المرحلة الحالية ..

إنه الميزان الذي يجعلنا على قيد إنسانيتنا ما دمنا على قيد هذه الحياة .

(شو بقدر أعمل ؟)

تتخبط الأرواح المكبلة بداخلنا وتلعننا صور الطفولة المشوهة وتفوح منا رائحة العجز النتننة .. تباً لنا ! لا نجد ملاذاً مما نحن فيه سوى أن نشمر عن سواعدنا و نقدح زناد أفكارنا ونضحي بأوقاتنا و أموالنا وصحتنا ونساهم بخبراتنا في سبيل العمل الخيري أو التطوعي .

في البداية كان العمل التطوعي السوري شائعاً ومنتشراً بشكل عشوائي و غير منظم على المستوى الإغاثي أو الدعم المجتمعي لكنه سرعان ما تطوربفعل الأزمة الملحة و تحول إلى مهارة مكتسبة ثم اتجه إلى أن يأخذ مساراً منظماً بفضل سعي البعض إلى جمع الأفراد في جمعيات ومؤسسات و فرق عمل وصياغة هيكلية واضحة لتقديم الخدمات التطوعية وصل به البعض إلى مخاطبة المنظمات والهيئات الدولية لتقدم لهم الدعم الفني والتدريبي أو عقد شراكات للعمل معها والحصول منها على التمويل اللازم كما استطاعت بعض الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل التطوعي أن تحقق شهرة محلية و دولية .

مصائب قوم !

في بلدان وصلت فيها التنمية إلى حد التخمة وبدأت تبحث عن رتوش الرفاهية تحققها لمواطنيها وجدت في اللاجئين الذين قدموا إلى أراضيها فرصة ثمينة لتطبيق ثقافة التطوع على أرض الواقع و تنشئتها في نفوس الأطفال ليمارسوا التطوع في شكله العملي لا النظري .

كندا هي إحدى تلك الدول التي رأت في المهاجرين السوريين وسيلة جيدة لتربية أبنائهم على ثقافة التطوع !

في عيد التطوع

يحتفل العالم كل سنة في الخامس من ديسمبر بيوم التطوع العالمي , ويعتبر الهدف المعلن من هذا النشاط هو شكر المتطوعين على مجهوداتهم إضافةً إلى زيادة وعي الجمهور حول مساهمتهم في المجتمع. وينظَم هذا الحدث من قبل من المنظمات غير الحكومية بينها الصليب الأحمر، الكشافة وغيرها. كما يحظى بمساندة ودعم من متطوعي الأمم المتحدة وهو برنامج عالمي للسلام والتنمية ترعاه المنظمة الدولية.

فلنحيي هذا اليوم العالمي بإحياء التطوع في حياتنا كي نبقي على ما تبقى منا من رمق الإنسانية لعلنا نوازن كفة الشرور على جبين هذا العالم المتخاذل !