أوهام الكسالى وأحلام العاجزين
يستيقظ الفقير من غيبوبته الفكرية، متكئًا على أضغاث أحلام نسجها من خيوط الأماني الكسيرة، متوهمًا أن الأقدار تدين له بميراث من ذهب، دون أن يبذل في سبيله قطرة جهد أو ذرّة عناء. يقبع في زوايا الكسل، مستلقيًا على أرائك التمني، مرددًا في أعماق عقله المتيبس:
سأسافر إلى بلادٍ باذخة الثراء، حيث الفرص تنبت كالأشجار، وهناك، سألتقي بامرأة مترفة، غنية حد الفحش، تنظر إليّ بعينٍ لا تبصر إلا وجودي، فتغدق عليّ بحبٍّ لا مبرر له سوى أني أنا، أنا الذي جاء به الحظ عابرًا ليخترق أسوار قلبها. لن يكون لها إخوة ينازعونني، وسرعان ما يرحل والدها، فأجد نفسي الوريث الأوحد، أخلع عني ثوب الفقر، وأرتدي حلّة الأثرياء، بلا اجتهاد ولا كدح، بل بضربة قدر سخية.
يا له من وهمٍ يتكئ على عكّاز العجز، ومن حلمٍ يترنّح بين أروقة المستحيل! إن الحياة لا تمنح خزائنها لمن يجلس على قارعة الدهر منتظرًا، ولا تهب مجدها لمن ظن أن الطريق إلى الثراء معبدٌ بصدفٍ خيالية وهدايا القدر. الثروة ليست غيمة تمطر ذهبًا فوق رؤوس المتواكلين، بل صخرة صلبة لا تنكسر إلا تحت مطارق العزيمة، ولا تنصاع إلا لمن يصرّ على نحتها بيديه، قطرةً بعد قطرة من العرق، وخطوةً بعد خطوة في دروب الجهد.
إن الفقير الحقيقي ليس من خلا جيبه من المال، بل من أقفر عقله من الفكر، ومن سكنت روحه في قبو الانتظار، بدلاً من أن تصعد سلالم السعي والمثابرة. هو الذي لا يرى في ذاته إلا تابعًا، ولا يرى في المال إلا إرثًا مسلوبًا، أو كنزًا يفتش عنه في خرائط الأوهام، بينما ينسج الناجحون مصائرهم بسنن الواقع لا بغواية الأحلام.
وفي النهاية، سيبقى هذا الحالم عالقًا بين جدران خيالاته، يُعيد رواية أسطورته الوهمية على مسامع من هم أكثر بؤسًا منه، يلوكها بلسانٍ صدئ، بينما العالم يمضي، لا يلتفت إلى من اختار أن يكون ظلًا في مسرح الحياة، لا فاعلًا بين عظمائها...🤍
عدنان الورشي
التعليقات