في زوايا المدينة التي تهمس بالصخب، يقفون كالتماثيل الصامدة ،الفقراء بقلوبهم الواسعة، والمساكين بابتساماتهم الشمسية، وعمال النظافة بأيديهم التي تُجسّد أسمى معاني النقاء. ترى في عيونهم هناءً غامراً، ليس من وفرة المادة، بل من بساطة العيش ودفء الألفة. في أحيائهم، تسكن رُقيّ حضارة سهلة ،تبادلٌ لا تشوبه المادة، وتراحمٌ يذيب الحواجز، وضحكاتٌ تنبع من صدور نقية كنسيم الفجر.

هم أحبّاء للنظام والقانون، أبناء انضباطٍ فطري. لكن شظف العيش، ومرارة البحث عن لقمة لا تسدّ الرمق، قد تدفع بالبعض – كحلقة دفاع عن الحياة – إلى تجاوزات كالتهرّب الضريبي، ليس جُحوداً، بل صرخة يأسٍ من ثقل لا يُطاق.

فهل يُعقل أن يكدحوا لنهضة الوطن، بينما الحقوق الأساسية تغيب عنهم؟

المسكن اللائق حلم، والصحة رهن المصادفة، والتعليم رفعة بعيدة المنال. وها هي مساكن العشوائيات تشهد على إهمالٍ مزمن، لكنها في صميمها مجتمعات نابضة بالطيبة، محصّنة بالألفة.

الحلّ الجذري؟!!

ليس في الهدم والتهجير، بل في الترميم والتطوير الذكي ،تحويل تلك الأحياء إلى مجمعات سكنية كريمة، توفّر الخدمات وتضمن الملكية الآمنة لأهلها، مع دعم حكومي مباشر للصحة والتعليم. فاستقرارهم في بيئة نظيفة آمنة هو ضمان لكرامتهم، ومن ثمّ لالتزامهم التام. إن الاستثمار فيهم ليس منّة، بل حقٌّ لهم وواجبٌ وطني، ففي بساطتهم العظيمة يكمن جوهر الإنسانية، وفي تأمين حياة كريمة لهم تُبنى حضارة حقيقية.