هذه هي فلسفة الحياة ببساطة
تتلخص المطالب التنموية للإنسان في طلب شيئان؛ إما الإبداع, وإما القيادة. ترتبط الأولى أكثر بالشغف, بينما الثانية معني بها المنطق، وتشير الدراسات الحديثة في علم النفس إلى علاقة بين الشغف والمنطق.
هذا هو خلاصة الكلام, وهناك من البشر من هو عبقري عاطفيا، وهناك من هو عبقري عمليا، وكلا النوعين تثمران نتائج عملية.
هناك ناحية روحية يغفل عنها البعض، مثلما أتى بها الماوردي في أدب الدين والدنيا، وهو فقيه من القرون الوسطى قبل اختراع التنمية البشرية، أو كماء جاء بها صاحب كتاب (طعام وصلاة وحب). نحن نحتاج بشدة للجانب الروحي, بغض النظر عن تأويله بشكل ما ورائي أو تأويله بشكل فوق-نفسي. وهناك الجانب الجسدي (مثل الممثل أو المقاتل أو لاعبي الكرة).
طيب .. هل هناك سرّ خفي للحصول على الموهبة (في الإبداع أو القيادة) سواء كانت موهبة أو خبرة؟. هذا ما تحاول مجموعة من الكتب البلهاء ذات المبيعات المليونية إثباته. وعلى رأسهم كتاب (السرّ) نفسه. يليه كتاب القوة. كله هراء وسنوضح لماذا؟.
أما عن أكثر الكتب منطقية، وهو كتاب قواعد السطوة, فهو الآخر مجرد حشو لمجموعة كبيرة من التجارب التاريخية الناجحة, قرّنها الكاتب بمجموعة من القواعد التي حاول استنباطها عبر منهج الاستقراء, متجاهلا ما في المنهج نفسه من عيوب، ومتجاهلا أي حائل ظرفي بين حدوث هذه التجارب الناجحة وعدم حدوثها. فقراءته للتاريخ قاصرة, وما أدل على ذلك إلا مجموعة من القواعد وعكسها جمعها معا بشكل متناقض تاركا للقارئ تحديد الحالة التي يتعين عليه التصرف فيها وفق (قاعدة معينة) ومناسبة للظروف المحيطة به في هذه الحالة. هي قواعد عمومية وفعالة فعلا, ولكن فقط لو استعملتها على الشكل المناسب، والكتاب لا يعلمك كيف تمسك بها. أنا نفسي وقعت سابقا في فخ محاولة إعداد كتاب يحمل عنوان (مفاتيح الدهاء) قبل أن أكتشف أن المفاتيح الوحيدة الموجودة هي فقط في تجارب الآخرين, وكيفية تطبيق بعض الأمور على نفسك في حالة خضت تجربة مشابهة. أي نوع من التقليد لا أكثر بحسب الظروف الراهنة. أما عن التفكير (خارج الصندوق) فهو كذبة كبيرة أو حلم بعيد المنال في أحسن الأحوال. وبعيد هذه ليست مجرد مسافة صغيرة. الثابت فعلا, أنك سوف تستنزف وقتك ومالك وجهدك كله من أجل تحقيق شيء قد لا يتحقق. ولما أقول وقتك, فأنا أقصد عمرك كله أو جله, وهذا ما يؤكد عليه الخبراء الحقيقيون فعلا (لن تكون رجل أعمال ناجح قبل الأربعين). ولما أقول جهدك، فهذا معناه ذبحة حقيقية على الصعيد الجسدي والعقلي. ولما أقول مالك، فمعناه في خبطة أو خبطتين قد تخسر مدخراتك كلها (شقاء عمرك). وبعد كل ذلك قد لا يتحقق لك ما تريده، لا المجد ولا الثراء, ولا شيء. هناك استثناءات بالطبع، ولكن الاستثناءات الحقيقة أقل من أن نخرج منها بدراسة مفيدة فعلا، إن لم تكن هي الأخرى أيضا عبارة عن تجارب إنسانية رهينة ظروفها الخاصة. وصدقني الظروف تقريبا لا تتكرر، والتاريخ لن يعيد نفسه معك إلا في المصائب فقط. انظر مثلا مخترع الطابعة, حصل المجد بعد موته ومات فقير معدما ولم ينسب اختراعه له إلا بعد موته. تقول حصل على المجد! ماذا إذن عن مخترع العجلة؟. لا نعلم من هو ولا مصيره, نفس الأمر مع مكتشف النار, ومخترع الكتابة. وكلها مخترعات مهمة. بل ويوجد اختراعات حديثة حتى اليوم تنسب لغير أصاحبها، قيل أن الهاتف كان كذلك أيضا.
نحن نركز على التجارب لأننا نريد ذلك حقا, وليست نظرتي تشاؤمية, بل هي عملية جدا، تقول لي كيف؟ أقول لك أن السعادة هو وهم تخترعه لنفسك. إحصائيا العالم مليء بكل قبيح من جريمة وفقر ومرض وجوع وموت و… كفاية عليك هذا القدر من الشرور رغم أنه فيه أكثر وحياتك (أهوال حولك يشيب لها الولدان).
هل معنى ذلك أن التجارب الناجحة لا تؤدي إلى النجاح؟, لا .. ليس بالضرورة, ولكنها مجردة أداة أو وسيلة, ولكن ليست الوسيلة الوحيدة. فقط القائمين على آلة الرأسمالية (وكذلك الشيوعية وحياتك) وجدوا في التنمية البشرية مخدر جديد يعطي حلم بوجود الجنة في الدنيا بدلا من انتظارها في الآخرة. ولما كان الدين هو أفيون الشعوب عند ماركس, استبدلوه بنوع خبيث من المذاهب (الأيديولوجيا) التي لا تبدوا مؤدلجة, بل وتبدوا بريئة تريد فقط مصلحتك ولا تذهب بك إلى أي شيء. قد يأتي مهاجم ويقول (شبعنا من نظريات المؤامرة). أقول له يا عزيزي, لا يوجد دراسة علمية واحدة رصينة بما يكفي، استطاعت أن تنفي إمكان وقوع المؤامرة على نحو واسع وغسيل العديد من العقول منذ عهد هتلر وحتى اليوم. إلا من باب نقد من يغالي ويحسب أن الفضائيين يعيشون معنا, أو أن هناك من يتحكم بأفعالنا من خلال أشعة لا مرئية (فهذا لا محل له من الإعراب أو التأويل هنا).
يمكننا الاستفادة من التجارب حقا، خاصة تلك التي يلخصها أصحابها في مقولات تستوعب حكمة السنين (شخصيات في مقولات) أو شخصيات ومقولات هي سلسلة كنت أعني بإعدادها ونشرها (لا أذكر تحديدا ما الذي منعني). هذه هي البضاعة النافعة, وما غير ذلك أغلبه بضاعة راكدة, وقد راجت جدا في عالمنا العربي, فلا أيسر من أن تبيع الناس الوهم, وأن تسمعهم ما يحبون ويريدون أن يسمعوه؛ (أنت لا يوجد مثلك).
والسؤال هنا, هل أنت شخص مميز حقا؟ يمكن القول نعم, وإن الخلاف هو حول درجة هذا التميز (السعي الجهنمي والمزعج نحو الترقي الاجتماعي). ولكن يمكن القول, بشيء أو بآخر, أن كل البشر, متساويين في درجة التميز (تصدق هذا!).
رغم ميلي السخيف نحو تعداد كل شيء إلى ستة وسبعة وعشرة وما يتجاوز عدد أصابع اليدين, والقدمين أيضا، إلا أنه يظل الأفضل أن يكون العدد محصورا على أصابع اليد الوحد خمس أو أقل، أربعة, ثلاثة, وربما اثنين. بل من الجميل جدا, لو أقول لك, إن سرّ النجاح يكمن في شيء واحد، هيا افعله!!.
الإنسان كائن معقد, فيه تفاصيل كثيرة, وكل تفصيله، تنزلق بنا, في تكوينها, وتشابكها مع التفاصيل الأخرى, إلى المزيد من التفاصيل, بشكل معقد ويبدوا أنه لا نهائي.
سمعت أن آل باتشينو قال ذات مرة
-أنت من تختار أن تكون قويا أو ضعيفا في الحياة, أنت صاحب القرار.
حسنا .. قبل الانتقال إلى هذه النقطة, وهذه العبارة تحديدا, والتي تنفع أكثر لأجواء الأفلام التي يقدمها آل باتشينو (وأنا عاشق لأفلامه بالمناسبة), نوضح بعض التفاصيل حول هذا الكائن، المسمى الإنسان.
إن الإنسان، كائن حي وعاقل، وعقله هو المكون لشخصيته، تجده غير عاقل فقط في حالات الجنون أو بعض حالات المرض والنوم وعند الصغر. لهذا رفع القلم عن الثلاث طالما ما زال في قيد إحدى حالاتها. وشخصية الإنسان, لا تخرج في تكوينها عن مقدمات وعوامل تقع ضمن نطاق الوراثة, والبيئة.
هذا ينتج عنه إنسان، متفرد، وواع، وحر يملك إرادته الخاصة، ويتطور, أو لنقل يتغير باستمرار. والتغير دائما يكون نتيجة عوامل وراثية أو عضوية، وعوامل بيئية طبيعية أو اجتماعية, بالإضافة إلى العامل الخفي المتمثل في طبيعة شخصيتك أنت؛ قراراتك الناتجة عن وعيك الخاص (المدرك / الحر / المتفرد) بقدر نتوجها عن ظروفك وثقافتك، خبرتك وتجربتك. وكل ذلك ينتج عنه مجموعة كبيرة جدا ومتشابكة من المتغيرات والتعقيدات، دعك من كون الإنسان نفسه، متغير دائما لسبب أو لغير سبب (وقصة ابن طفيل نتاج عظيم عن ذلك)، فبالإضافة إلى ذلك؛ الحياة نفسها معقدة أكثر من اللازم .. سواء بوجود البشر أو بدونهم.
ولكن لو تحدثنا عن الحياة الاجتماعية، نجد أن حالة ظرفية واحدة, وهي اختلاف الأوضاع بين راحة وشقاء في الناس, كما اختلاف الأحوال في الدنيا بين ليل ونهار، وما يترتب عن ذلك من نتائج عديدة, منها قيمة معنوية مثل السعي للمكانة وما يتبعها من طموح أو راحة نفسية تجاه حالة غير مادية, أو حتى حالة غير طبيعية بالمرة, لا هي منظورة ولا معقولة, وإن كانت سبل العقل هي الأقرب لنا إلى شيء مثل ذلك حسب ما أتى به المفكر الأمريكي
من ذلك، أن شخص ما، قد يشعر بالراحة، بسبب شهرة أو رفعة, لا تؤكل ثمارها، فلا هو يطعم من جموع, ولا تروي عطشه, ولا تضع فراشا ناعما أسفل ظهره عند النوم, ولا تجلب له ما يشتهيه جسده من ماء بارد للشرب, أو ماء دافئ للغسل, أو ما يتمتع به بصره, أو بطنه, أو فرجه، أو خلاف ذلك. فهذه راحة نفسية لا محل لها من الإعراب. ومنها بعض الاعتلالات النفسية الجسيمة, مثل مرض البخل، لدرجة أن البخيل قد لا يمتع نفسه, ولا أهله، من خيره، الذي هو لن يكون إلا خير ماله، فيتحول الخير إلى شرّ.
لذا هناك جنون للثروة, وأصبحت التنمية البشرية, واعتمادا على وعد كسب المال، أصبح حلم الثراء, أفيون للشعوب، مثله مثل الدين الذي انتقده ماركس، فاستبدلته الرأسمالية بالتنمية البشرية. خاصة وأن بعض الطوائف الدينية المتشددة, تضع شروطا قاسية للحصول على الجنة, وتزعم احتكارها السبيل الوحيد إليها. بنفس الطريقة, يقدم لك من يزعم أنه أحد رواد عالم المال والأعمال، أو أحد مؤلفي كتب التنمية البشرية التي صارت تملأ كل الأرصفة, أو مدرب الحياة الذي لن يطلعك أبدا على تعقيدات حياته هو الشخصية , بنفس الطريقة, يقدم لك وعدا بالثراء, ليس ذلك فحسب، بل لأنه هو الوحيد الذي سوف يقول لك ما يخبئه عنك الآخرين, فهو يملك سرّ البيع, وكأنه يملك كل العملاء المحتملين في العالم, أو سوف يطلعك على (التأثير الخفي), أو سوف يحدد لك ويعرفك على (الأسرار السبع للثراء السريع) على حد تعبير عمار عمر, وهو دكتور, كلهم دكاترة, وكلمتي ثراء وسريع أبدا لا تجتمعان. حتى أن أسرار العمل الناجح, لا تقتضي إلا بأن تكون مجرد تعليم للكيفية, وعليك أنت أن تمسك بهذه الكيفية على طريقتك الخاصة, عليك أن تكون ذكيا, وهذا، تقريبا لن يعلمه لك أحد. يمكنك أن تنمي ذكائك, لكن هذا موضوع آخر. أما الحصول على الخبرة, فهو تجربة قاسية وحياة وقراءة واطلاع على قراءات أخرى غير النصوص, مثل تجارب الآخرين, ومعايشة بعض الأمور الأخرى. بنفس الطريقة يخبرك الآخرين, أصحاب كتب التنمية البشرية, عن التعلم, طريقة واحدة لتعلم كل شيء, وكأنه لم يوجد قط ما يعيق حتى المتعلم, عن إدراك وتطبيق ما تعلمه, مثلما يحدث في حالات التحيزات المعرفية, والمستوى الأشد، التشوهات المعرفية. إنها كتب, تركز بدلا من ذلك على (البيع للفوز) كأنه سيقنعك ببيع المياه الوسخة, يمكن للبعض فعلها, ولكن ذلك راجع لأمور أكثر من تبسيطها في شكل مبتذل ومخل. من الحلول المقترحة أيضا، ما يسمى بـ البرمجة اللغوية العصبية, وهذا ليس برنامجا تسير عليه أو تتبع خطواته, بل كأنه يقول أنه سوف يبرمجك من جديد, والأدهى أنه سوف يجعلك قادر على برمجة الناس لكي يفعلوا ما تريد!. من ضمن المقترحات أيضا (التقنية الوحيدة لتعلم شيء جديد)، أو(الطريقة الأكثر فعالية لإنجاز المهام), أو (الشفرات الست للنجاح) أو (مفاتيح النجاح), و(العادات الأكثر فعالية) و(العادات الذرية) و(القوانين العشرة للحياة), و(قواعد السطوة) و(السرّ) هكذا فقط بكل بساطة، أو تلك العناوين التي لا تكف عن تفخيم ذاتك (أنت قوة مذهلة) و(تطوير القائد بداخلك)، بالإضافة إلى عناوين المحتوى من (خارج الصندوق) حتى صارت كلها في صندوق واحد وارمي في أقرب سلة زبالة.
والكثير من العناوين الأخرى, بعضها مفيد, وإن كان مبالغا في عنوانه. ولكن هل معنى هذا أنه لا أمل!. لا .. قلنا سابقا, وكما قال الأسبقون, إن الحياة كلها تعلم, ويموت المعلم وهو يتعلم. ولكن بالنسبة لهؤلاء الذين يعلمونا, لا يجب أن نتعلم منهم إلا بشرطين؛ إما أن يكون شخص علم في مجاله ومشهود له بالفعل، وإما أنه ينقل من مصادر مؤكدة أو شبه مؤكدة، على غرار ما يفعل أحمد الغندور أحيانا في برنامجه الشهير. فالصحيح, والثابت, أن كل ما هو مفيد, هي تلك الأفكار (التوجيهية) وليس بالضرورة أيضا أن تؤتي كل الأفكار ثمارها.
منصة المنتور تقدم نفسها على أنها
المنتور.نت كورسات ودورات تدريبية اون لاين بشهادة إتمام معتمدة من المنتور.نت وجهات أخرى مهارات مهنية وحياتية – تنمية ذاتية
ما يجعل حصص التنمية البشرية وتحفيز الذات أوسع انتشارا وأكثر قبولا من دروس التعليم التقليدي هو أن التعليم التقليدي يتسم بسبع خصال مميتة للمعرفة
فهو
1-تقليدي (تكثر قيوده)
2-وممل
3-ومرهق
4-ومكلف
5-ومهدر للوقت
6-وغير مجدي
7-بل ومحطم للأعصاب
فهو دعوة مفتوحة إلى العنف,والتحرش,والاحتيال والمساحات المفتوحة في أروقة وباحات المدارس والجامعات,إضافة إلى بعض الغرف المغلقة,تتيح ذلك وتدعمه انطلاقا من بنية عمرانية واجتماعية. وقد كنت شاهدا على الكثير من هذه المشاهد في المدارس بنفسي.
وقد يجدها البعض في بعض الممارسات الغير مألوفة, أو المشهور عنها جلبها للراحة والسعادة, مثل الإيجو, واليوجا، والإيكيجاي. وحتى الإيروتيكا صارت ممارسة محترمة لها دور فاعل في تحقيق السعادة (وهذا صحيح بشكل أو بآخر).
يمكننا أن نحصل على إضاءة أفضل على الواقع، من خلال أدب الخيال العلمي، عبر مقالة ابن طفيل.