ما لم يقله لنا احد
بقلم ماهر عساف
في عالمنا المعرفي حدث صراع بين العقل والنقل ، وصار أتباع النقل هم المرجعية العامة للأمة قاطبة ، والذين اعتمدوا منهج النقل والمرويات على حساب العقل .
وأغلب الفقه والأحكام التي قدمت لنا على أنها هي الدين الحق بنيت على الروايات المأخوذة من الحديث والإسرائيليات ، وصارت هي المرجعية المقدسة التي اعتبروها وحيا إلهيا لا يجوز مخالفته .
وهنا حدث أمر خطير وهو نقل الرسالة من مركزها الأصلي وهو كتاب الله تعالى إلى مركز جديد هو التراث والمرويات البشرية التي نسبوها للنبي والصحابة .
وأصبحت هذه الروايات هي الدين ، و يقول لنا عنها الوعاظ والمشايخ: أن سبب هزيمتنا هو بعدنا عن الدين ، و يقصدون بذلك الروايات التي تناقلوها ودونوها بعد وفاة النبي بمئتي عام ، بالإضافة إلى نمط حياة المسلمين في القرت السابع ، والتي تحولت إلى مرجعية في كل شيء ، العقيدة والفكر والقيم والفقه وكل ما يتعلق بالحياة الدينية والدنيوية ، وصارت المرجعية بدل القرآن الكريم الذي اصبح مهجورا الا بالمأتم والمناسبات وافتتاح الإذاعات .
والذي لم يقولوه لنا أن إسلامنا في كل مفاهيمه لم يأت من الكتاب ، فمثلا أركان الإسلام تقوم على أركان خمسة ، وهي لم ترد في كتاب الله ، وإنما جاءت من الروايات والأحاديث ، ومفهوم الصلاة جاء في قصة المعراج التي لا يمكن ان يقبلها عقل إنسان يتدبر الأيات ويعرف أن الصلاة سبقت رسالة نبينا ، وجاءت من زمن سيدنا إبراهيم ،وأن كتاب الله بين لنا كل شيء عن الصلاة في تسع وتسعين اية .
وهناك الكثير من الأمور والأحكام لم يقولوها لنا والكثير من الحقائق العلمية والمعرفية التي عطلوها بسبب إعتمادهم منهج النقل لا العقل وتقديسه على حساب العقل .
فقضية خلق الإنسان ووجوده أخذت منحى سردي روائي معتمدا على الرويات والإسرائيليات
فهل أدم صنع بيد الله من تراب !! وماء وطين !! وقد تم رسمه وتكوينه ، ثم نفخت فيه الروح ليتحول لكائن حي !!
ونرد على هذا القول : لقد مر خلق الإنسان أو آدم في مراحل أخذت مليارات السنين ، فعمر الكون يتجاوز 13 مليار و800 مليون سنه ، والإنسان بحسب دراسات علمية جاء في اخر هذا الزمن ، حيث قام جال سيغن بعمل تقويم لهذه الفترة الطويلة ، ووضعها في عام واحد ، وتبين له أن الإنسان جاء في اليوم الإخير من أخر سنة واخر ساعه واخر دقيقة ، بل وقال الثواني الأخيرة من هذا التقويم ، والله وضع تقويما اكثر صغرا ، فقال : (إن الله ربكم الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ) وهذا تقويم رباني يشير ان الحياة من بدايتها ستظل داخل التقويم الرباني لا تتجاوز الستة أيام .
وقد خلقنا الله من ماء ثم من تراب ثم من طين ثم من حمأ مسنون ثم انبتنا نباتا الى ان وصلنا إلى حالة متقدمة في الخلق وهي خلق ادم
والذي يعرفه الناس من خلال السردية التراثية بأنه نبي خلقه الله ومع زوجه حواء وكانا يعيشان في الجنة وطلب من الملائكة السجود له فسجدوا الا إبليس الذي تكبر عليه وأسكنهم الله الجنة حيث يفعلان كل شيء إلا قربان الشجرة لكن الشيطان أقنعهما بالأكل منها فاهبطهم للأرض .
هذه الرواية السردية تفتقد للبرهان والدليل العلمي ، والحقيقة أن أدم هو إسم جنس بشري ذكورأ وإناثاً ، ولا يوجد ذكر لشيء اسمه حواء ، وهم سلالة من المخلوقات البشرية كانت خارج الوعي الإنساني فأراد الله أن يجعله قائما في الأرض فاعطاه نفخة الروح التي تستمر إلى يوم القيامة
فالروح هي: الأوامر الربانية ، والعلم ، وهذا كان جواب القرآن عندما سألوا النبي الكريم محمد عن الروح فقال الله تعالى :
1. قل الروح من أمر ربي
2. وما اوتيتم من العلم
وفي اية أخرى قال تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًۭا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَٰبُ وَلَا ٱلْإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورًۭا نَّهْدِى بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِىٓ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ )
هذه القضايا وغيرها كثير ، ولا متسع لمناقشتها في هذا المقال ، وسنتوسع في بيانها بالدليل من كتاب الله في مقالات خاصة أو كتب سنصدرها إن شاء الله.
والسؤال هل العقل العربي يريد ان يبقى حبيس التقليد ويمنع عن نفسه فهم الرسالة والرجوع للدين الصحيح الذي ختم في التنزيل الحكيم بقوله تعالى قبل وفاة النبي :
( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة 3
إن ما نريد قوله في هذا المقال أننا نحترم التراث فليس هناك ثمة أمة من غير تراث ولكن التراث لا يصح ان يتحول لمقدس ومرجعية للتفكير والدين لأن ديننا أساسا جاء من مسار ما يعرف بالصراط المستقيم الذي هو عبارة عن القيم والمعرفة والتشريعات والكثير من الآيات تشير الى ذلك .
نتمنى على العلماء والمفكرين ان يفتح مسارا جديدا في القراء والمعرفة حسب المنهج الرباني ( اقرأ ) ، حتى نكون على مسار الدين الحق ، ونواجه التحديات ، ونتطور في مسار الزمن وصيرورة الحضارة الإنسانية .