تَغيرَت تصوُّراتنَا عن المجْتمعات التَّأْديبيَّة، اَلتِي وصفهَا "فُوكُو" سابقًا فِي المجْتمعات القديمة. إِذ لَم يَعُد المجْتمع يَتَوافَق مع هَذِه الرُّؤْية التَّأْديبيَّة اَلتِي اِعْتمَدتْ على تِقْنيَّات السَّيْطرة فِي مُؤسسَات مِثْل السُّجون والْمدارس والْمصانع والْمسْتشْفيات. بدلا مِن ذَلِك، ظَهَر مُجتَمَع جديد يُعَبَّرُ عَنْه بِمجْتَمع الإنْجاز. يَتَجلَّى هذَا المجْتمع فِي أَماكِن مِثْل صالات اللِّياقة البدنيَّة، وأبْرَاج المكاتب والْبنوك، والْمطارات، ومراكزُ التَّسَوُّق.

 فِي هذَا المجْتمع اَلجدِيد، لَم يَعُد هُنَاك نَوَاة تأْديبيَّة تُسيْطِر على سُلُوك الأفْراد، بل أصْبحوا أَكثَر اِسْتقْلاليَّة وَقُدرَة على إِدارة أَنفسِهم. تَمَّ إِزالة الجدْران اَلتِي كَانَت تَفصِل بَيْن السُّلوك الطَّبيعيِّ وغيْر الطَّبيعيِّ، و أصْبَح الْأفْرادُ أَكثَر مُرُونَة وقابليَّة لِلتَّكَيُّف، و ظَهَر مَا يُمكِن أنْ نُسَمِّيه ب "ذات-الإنجاز".

 تَتَميَّز ذات - الإنْجاز بِأنَّهَا لَا تَتبَع أيَّ نَمُوذَج خَارجِي لِلْهيْمنة، يُجْبرهَا على العمَل أو يسْتغلُّهَا بِشَكل مُبَاشِر. لأَنهَا تَمتَلِك سَيطرَة كَامِلة على ذاتهَا وَتكُون سَيدَة وَأَميرَة لِنفْسِهَا. وبالتَّالي، فَهِي لَا تَخضَع لِأيِّ سُلطَة خَارجِية، بل تَخضَع فقط لِنفْسِهَا. مع ذَلِك، فَإِن اِختِفاء الهيْمنة الخارجيَّة لَا يَعنِي بِالضَّرورة وُجُود حُريَّة مُطلَقَة. حَيْث يُمْكِن أن يُؤدِّي هذَا الانْتقال إِلى تَحوُّل اَلحُرية والْقَهْر إِلى شكْليْنِ لِنَفس اَلعُملة. حيث تعْمَل علَى تَحقِيق الإنْجاز وزيادة الأدَاء بِشَكل مُفْرِط، وَهذَا مَا يُسمَّى بِالاسْتغْلال الذَّاتيِّ. هذَا النَّوْع مِن الاسْتغْلال يَبدُو أَكثَر فَعالِية مِن اِسْتغْلال الآخرين، لِأنَّ المسْتَغَلَّ هُو نَفسُه المُسْتَغِل فِي الوقْتِ ذَاتِه. لِذَلك، يُمْكِن تَفسِير الانْحرافات النَّفْسيَّة فِي مُجتَمَع الإنْجاز على أَنهَا تَجسِيد لِهَذه اَلحُرية المتناقضة.