جاء الشتاء بقسوتهِ، ليلتهم دفء كل مُحتاج، وليجمد دمعة المسكين في مقلتيهِ عجزًا، وزمهريرًا.
جاء محمل بالضباب الكثيف في سماء المدينة، ورذاذ يشبهُ بقايا الثلج في كل صباح. يملأ البرد القارس شوارعنا، الطقس الذي يحب الناس قدومه؛ ليستمتعوا بأجوائهِ وارتداء ملابسهم المختلفة بحبكة الصوف المغزول ولا يرون أنه يحزن الآباء الذين لا يستطيعون تدفئة أبنائهم وحمايتهم منهُ، ليروا أطراف أطفالهم تتجمد.
وعلى الرغم من صغر ذاك القفاز إلا أن اقتناءهم لهُ شبهُ حلم، بينما بالنسبة لك إحدى الرفاهيات التي من السهل اقتناؤها، فهل هناك نفوسٌ ترحم ضعفهم، وقلة حيلتهم، ومساعدتهم في مُبتلاهم.
فقد أتى البرد شديدًا هذه السنة...
أولئك الذين أجبرتهم الحياة والحروب ليتركوا منازلهم خلفهم ويصبح حالهم من أفضل حال لأسوأ حال، ليتركوا الدفء ومنازلهم الكبيرة الواسعة، فيضطرون للعيش في بيوت صغيرة تضم الكثير من الأسر أو خيام في أماكن يصعب العيش فيها، أماكن تبعد عن المجمعات السكنية وتخلوا من كل متطلبات الحياة هربًا بأرواحهم من الموت الحقيقي لموت الحياة فيهم لانطفائهم، لحزنهم الذي يأكل دواخلهم على أبنائهم الذين يرون بردهم وحزنهم، لكن كما يقال: "العين بصيرة واليد قصيرة" نعم قصيرة جِدًّا، فهم يرون ما قد يُشعر أبنائهم بالدفء لكنهم لا يستطيعون شراءه لهم، يرون منازل أفضل ومناطق أفضل من تلك التي يعيشون فيها لكنهم لا يملكون حق العيش فيها بسلام بعيدًا عن مواجع الحياة وقسوتها...
_نحنُ المتأولون في منازلنا الدافئون بملابسنا الثقيلة، بأكواب قهوتنا الدافئة، بأوشحتنا المنسوجة من الصوف، نحن الذين لم ندرك ما يعيشهُ الكثير من أبناء وطننا!
إلا من رحم الله منا، نحن الذين نستطيع أن نعطي ونخفف ونهون ونكون سببًا في دفء أرواحهم قبل أجسادهم، نستطيع أن نجعل من هذه المدينة الباردة مدينة دافئة، نعم نستطيع، ولكن القليل من يعطي والكثير من يمنع...
ما الذي يمنع كبار مدينتي، تُجارها ومسؤوليها الذين يخزنون في حساباتهم المصرفية ما يمكنه تغيير حياة الكثير، ما الذي يمنعهم من جعل ذاك الطفل يعطي ابتسامة دافئة، وليفك كربة ذاك الأب ليحتضن أطفاله في دفئ معطفهِ، وتلك الأم التي تهرع لجمع الحطب والأشواك لتوقد النار بدخانها المتراكم جاهدة في التدفئة القاتلة، ما الذي يمنعهم من أخذ قليل مما لديهم ليمروا على تلك الأرصفةِ في الشارع المليئة بالمساكين الذي يموت منهم الكثير بسبب ذاك البرد القارس الذي ينخر أجسادهم المنهكة من مواجع الحياة، ما الذي يمنعهم غير الأنانية، أعلم أنها أموالهم وملك يمينهم لكن هؤلاء أيضًا إخوانهم وأبناء وطنهم لو أن الكل ساند وأعطى وساهم وبادر لما وجد شخصٌ يشعر بالبرد، والجوع...
كن رَؤُوفًا بمن هم بحاجتك، فما يدريك، قد يجور الزمان عليك وترد تلك الصدقة عنك البلاء، في مالك وابناؤك.
ليس الدفء في امتلاء خزانتك بالمعاطف والأوشحة، الدفء أن تعلم بأن جارك وابن وطنك وأخيك وصديقك نام دافئًا أيضًا، فتلك البطانية المتراصفة في خزانتك هي حلم أحدهم، تلك البطانية قد تكون سببًا في عيشه قبل أن يقتلهم البرد.
ما من صدقة تعطى إلا وكان مردودها عليك أعظم، فربما دعوة صادقة من جوف محتاج، تفرج عنك كربتك، وتحجب عنك أي مصيبة قد تواجهك...
وأخيرًا ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. "أتمنى لكم شتاء دافئًا"
فكري محمد الخالد
التعليقات