الخرافة وتطور الوعي

بقلم ماهر عساف

       تعددت أنماط الحياة ومراحلها في التاريخ البشري والإنساني ، فمراحل التطور بدأت بالحديث عن اطوار الخلق " وقد خلقكم أطوارا " سورة نوح 14 ، وقدم القرآن الكريم أسس معرفية واضحة تحتاج منا للبحث والدراسة والإستكشاف ، فهو يؤكد لنا ان مراحل الخلق تشكلت عبر مراحل سرمدية تشكل فيها الانسان الحاضر عبر مليارات السنين .

والتطور يشمل التطور في الخلق والتكوين والتطور الثاني يكون في الوعي الإنساني والعلم والمعرفة .

ان التقويم الرباني قام على ستة أيام ( إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ) الأعراف 54. 

 وقدر فيها اقواتها في أربعة أيام ( وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَٰتَهَا فِىٓ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍۢ سَوَآءًۭ لِّلسَّآئِلِينَ ) فصلت 10 ، هذا التقويم الرباني الذي أشار اليه الرحمن في كتابه العظيم قابله تقويم وضعه عالم بريطاني "كال سيجن" حيث ضغط عمر الكون المقدر 13080000000 سنة ( ثلاث عشر مليار وثمانمائة مليون سنة ) في سنة واحدة .

وتبين له أن وجود الإنسان على هذه الأرض كان في الثواني الأخيرة من هذه السنة .

ومراحل تطور الخلق البشري والإنساني عبرت عنها الآيات الكريمة حين بين الله ان من مراحل خلقنا اننا كنا تراب وطين ( وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍۢ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٌۭ تَنتَشِرُونَ) الروم 20

ومرحلة الطين (هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍۢ ) الأنعام 2 ومرحلة النبات ( وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ نَبَاتًۭا ) نوح 17

ان الإنسان يعاني من قصور في التفكير وتعطيل للعقل ، وواقعياً فإن الخرافة لا تزال تسكن العالم إلى اليوم.

 فالإنسان، بحسب علماء النفس، لا يزال يضع 70% من فكره بطريقة تقوم على الأسطورة، في حين أن الجزء الذي يفكر منطقياً لا يتعدى 30%.

وهناك بعض العلماء الملحدين الذين من حيث لم يدركوا توافقوا مع نظرية المعرفة القرآنية ( قُلْ سِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُوا۟ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ) العنكبوت 20

ومنهم العالم الذي أثار جدلا كبيرا في الأوساط الدينية ورفضت أفكاره ووصفت بالكفر والإلحاد ، ونحن نقول انه كان اقرب لتطبيق النص القرآني في عملية البحث والدراسة ، ولسنا نناقش معتقداته وافكاره فنحن نختلف مع دارون في نظرية النشوء والتطور التي تقوم على أسس الحادية لا نؤمن بها وهي ان الطبيعة هي الخالق وان اصل الانسان قرد ، لنرد عليه ونقول ان الله هو الخالق واصل الانسان بشر .

ولكن دارون كان اقرب الى روح النص بما قام به من بحوث ودراسات وهي وان كانت في المعتقد المناقض للتوحيد إلا انه قدم خدمة جليلة للعقل البشري من خلال مسار البحث والنتائج المعرفية التي توصل اليها .

وتخدم قضية الروح التي تحولت الى نظرية خرافية في المفهوم الديني السائد ، فالمتدينون يؤمنون ان الروح هي سر الحياة والروح موجودة في كل المخلوقات الحية ، الانسان والحيوان والطيور ، وان الكائن الحي يموت حين تخرج روحه .

وهذا مخالف للقران الكريم وللآيات البينات التي وضحت لنا معنى الروح .

فالقرآن قدم لنا إجابات حول الروح وبين لنا ما هية الروح ، فقد سؤل النبي عنها فنزلت الإجابة ( وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ ۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًۭا ) الإسراء 85

وقد كانت القراءة الخاطئة لهذه الأية سببا في نشوء الخرافة في مفهوم الروح ، فالله في هذه الآية قدم لنا الجواب واضحا في معنى الروح على عكس ما فهم الناس ، فقد فهموا ان معنى الروح خاص بالله تعالى ولا احد يعلم معنى الروح .

ونحن نقول ان الله قد قدم لنا الجواب في معنى الروح وهو امرين اثنين :

الأمر الرباني

والعلم روح

وقد بين لنا في كل الآيات التي ذكر فيها الموت، ارتباط الموت بالنفس وليس بالروح ، يقول تعالى : ( ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) الزمر 42

اذا الروح هي الآوامر الربانية مصداقا لقوله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًۭا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَٰبُ وَلَا ٱلْإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورًۭا نَّهْدِى بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِىٓ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ ) الزمر 52

ولان الوجود هو ثمة امرين اثنين هما :

 أولاً: الحق وهو كل الوجود الموضوعي وما خلق الله من كائنات مع وظيفتها ( الذي خلق فسوى وقدر فهدى )الأعلى 3

 الثاني : الروح والتي هي الأوامر الربانية والعلم ، وهي منشأ الحق فالله اوجد الكون بأوامره حين قال للكون وما فيه من موجودات ( إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ) يس 82

لذلك الروح هي نفخة ربانية تعبر عن شكل الطفرات الضاربة في عمر الزمن ، وهذا الكون الذي تشكل عبر مليارات السنين ، ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ) الحجر 29 وتتكرر الآية في صورة ص .

لقد قدم لنا كتاب الله في يعرف بقصص القرآن مراحل الوعي الإنساني ، مراحل التطور المعرفي ومراحل التطور التشريعي ، وبنية المجتمعات وسماتها ، فالبشرية مرت في مراحل سحيقة من اشكل التغير والتطور ، ومر عليها احقاب متعددة تطور عبرها الإنسان الى يومنا هذا ولا يزال يتطور في الجانب المعرفي والجانب الإنساني والتشريعي .

ان التفسيرات الخرافية والأسطورية التي اجتاحات العقل البشري لها ظروف وأسباب متعددة أهمها الخوف والجهل والإستبداد والعبودية والجشع ، وان صراط الله المستقيم يتمثل في اخذ البشرية في طريق النور والخير طريق المعرفة المنضبطة بالقيم والمدعومة بالتشريع لتتكامل نظرية المعرفة القرآنية في مصداقية الحوار الرباني حين اعترض الملائكة ( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) البقرة 30.

فرد عليهم رب العالمين ( اني اعلم ما لا تعلمون ) القرة 30 .

هذا الحوار الرباني مع الملائكة ، يسير في مسار نفخة الروح وصيرورة التطور البشري المتكامل في جميع الجوانب المعرفية والتشريعية والقانونية ، ليصل الإنسان الى المرتبة التي يصدق فيها علم الله على اختياره لهذا الإنسان الذي لا محالة سيصل الى تلك المرتبة ، والزمن النسبي لنا هو في حق الله والملائكة لا شيء .

وقصة ادم وحواء التي يتم تداولها اليوم في كل المحافل هي قصة خرافية ، والحقيقة أن آدم لا يوجد معه شيء اسمه حواء وهي فكرة إسرائيلية جاءت في سفر التكوين ، وانما آدم اسم جنس للمخلوق البشري ، وهذا يعني ان آدم هو مجموعة من البشر رجالا ونساء ، وكان هذا المخلوق اقرب للحيوانية ، يسير على اربع ، فقال الله تعالى : ( ٱلَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ ) الإنفطار 7

ونفخة الروح هي مرحلة تطوير في خلق ادم البشري فنخفة الروح هي مرحلة الأنسنة وتحويله الى انسان قابل للتفكير والتواصل والتطور والمعرفة والعلم وتلقي الأوامر الربانية والتوبة والطاعة والمعصية .

نسأل الله ان نكون ممن يسيرون في طريق الصراط المستقيم وحمل رسالة الله في تحقيق الهدف الرباني .