اخي القارئ , هل تتذكر تلك السعادة التي كنت تشعر بها ايام الطفولة ؟ هل سألت نفسك لماذا فقد قلبك ذلك الشعور بالفرح والسعادة ؟ هل تتمنى ان يعود الى قلبك ذلك الشعور وتلك السعادة القلبية الفطرية الطفولية ؟ اقرأ هذه الوصفة وطبق تعليماتها , فربما عاد قلبك الى زمن المرح والفرح والسعادة والسرور .

عندما يولد الطفل السليم يبدأ بالبكاء , انها ساعة الانتقال من بيئة الراحة والامان داخل الرحم , الى بيئة التعب و الخوف و المعاناة في هذه الدنيا , لقد كان في بطن امه امنا مطمئنا , يأتيه الغذاء دون كد او عناء , من مكان واحد وهو الحبل السري , وعندما خرج الى هذه الحياة , بدأ بالبكاء , لقد تغيرت البيئة من حولة , كان جسمه متعودا على درجة حرارة مناسبة دافئة و ثابتة داخل الرحم , وعندما خرج الى الدنيا , شعر باختلاف درجة الحرارة فبدأ بالبكاء , معبرا عن مدى تأثره بهذا الاختلاف , ولكن عليه ان يتأقلم مع هذه البيئة الجديدة , بيئة يعيش فيها الانسان في كبد , بيئة المكابدة والتعب والكفاح من اجل البقاء , والحصول على الغذاء , حتى الهواء الممتلئ بالأوكسجين , لا بد للحصول عليه من بذل مجهود عضلي , يتحرك القفز الصدري يتسع ويضيق من اجل ادخال الاكسجين واخراج ثاني اكسيد الكربون , وما ان يهدأ المولود و يترك البكاء , حتى تتجدد معاناته ويعود الى الصراخ , إذ لا بد ان يقطع الحبل السري , ذلك الحبل الذي كان يمده بالغذاء , و اخر ما يربطه ببيئته الاولى , وبقطع هذا الحبل تبدأ المعاناة , ويذوق الانسان اول الم في الحياة , هذا هو عنوان الدنيا , كل شيء بتعب كل شيء بعناء

اخي القارئ , اعلم ان الانسان يولد بقلب فرح طاهر مبتهج وسعيد , لذلك تشاهد الطفل الرضيع يضحك ويكركر لأدنى حركة تلفت انتباهه , انه فرح مبتهج وسعيد طوال الوقت , ولا يبكي الا اذا احس بألم او جوع او مرض , حتى مرحلة الطفولة المبكرة والمتأخرة , والى ما قبل البلوغ , يستمر قلب الانسان سعيدا فرحا مبتهجا , ينساه الزمان وينسى نفسه وهو يلعب هنا وهناك , في الازقة والحارات , وعلى الاسطح و في الساحات والملاعب والوديان وفي كل مكان , يقضي اوقاته في فرح وسعادة نابئة من قلبه الطاهر النقي , ما اسعد تلك الايام , ولكنها ايام لا بد ان تنتهي , فالطفل يستمر في النمو , ليصل الى مرحلة البلوغ , ويودع ايام الطفولة البريئة , عند هذه المرحلة - مرحلة البلوغ – يبدأ الشعور بالسعادة والفرح الطفولي بالتضاؤل , ويبدأ القلب في التغير , وكل عام يمر, يتغير اكثر فأكثر , حتى تنتهي تلك الافراح الفطرية التي كانت تغمر قلبه طيلة الاوقات , هل تعلم اخي القارئ , لماذا يفقد القلب ذلك الشعور بالفرح والسعادة بعد البلوغ ؟

انها الذنوب , لقد كان القلم ساقطا عنه قبل ذلك , وعندما بلغ مرحلة البلوغ , بدأ القلم يحصي ذنوبه وحسناته , وبدأ تأثير الذنوب على القلوب , كلما اذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء , وكلما تكاثرت الذنوب , تكاثرت تلك النقاط السود في القلوب , تلك النقاط السود هي التي حلت محل السعادة والفرح في القلوب , وعلى مدى امتداد الاعمار ومقدار اقتراف الذنوب , يكون الضيق والكدر في القلوب , فلكل ذنب تأثير مباشر , ليس على القلب وحده , بل على جميع اعضاء الجسم , حتى الجلد قد يتغير لونه من اثر الذنوب , (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) سورة يونس) , و لذلك شرح الله تعالى قلب النبي صلى الله عليه وسلم , ووضع عنه وزره , وعصمه من الذنوب ليجعل قلبه سعيدا فرحا , (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (

  سورة الشرح) , ومع ان الله تعالى قد غفر لنبيه صلى الله عليه وسلم ذنوبه ما تقدم وما تأخر , امره ان يرغب اليه , امره بعد ان يبلغ الدعوة في نهاره ان يرغب اليه في ليله , وينصب ويتعب في قيام الليل , ويرغب في ذلك ليكون مرتبطا به قريبا منه في كل وقت

 اخي القارئ , كلنا يحن الى تلك الايام الخالية , ايام الفرح والسعادة الطفولية الفطرية , ايام الطفولة البريئة , ايام ما قبل البلوغ , ايام ما قبل الشهوات وارتكاب الذنوب , ولكن من المستحيل ان يعود الانسان الى ايام الطفولة , ولكن يبقى الامل في عودة السعادة والفرح الى القلوب , فالقلب لا زال موجودا , وانما هي الذنوب التي احتلت ساحاته , وحالت بينه وبين السعادة , ولا يمكن ان تعود السعادة الىه الا بترك الذنوب , والتوبة النصوح , التوبة النصوح التي تمحو اثار الذنوب , وتتبدل بها السيئات الى حسنات , (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) سورة الفرقان) , ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( سورة التحريم ) , حتى وهم في الدار الاخرة , وهم يمشون مع النبي صلى الله عليه وسلم , ونورهم بين ايديهم وبأيمانهم , يطلبون من الله ان يغفر ذنوبهم التي ارتكبوها في الدنيا وتسببت في نقاط سود في القلب لم تشع بالنور , لكي يكتمل نورهم ويجتازوا الظلمات وصولا الى جنة عرضها الارض والسماوات

اللهم إنا نسألك ان تغفر لنا ذنوبنا وتكفر عنا سيئاتنا وان تتوب علينا انك انت التواب الرحيم