تخيل معي، أنك فتحت عينيك في صباح باكر، صليت فرضك في الفجر، وجلست إلى نفسك تحدثها وتحدثك، ثم بدأت تشعر بقليل من الصداع ، نبضات عند عينيك تروح وتجيء، تستطيع التعايش معها، ولكنها تشعرك بأن هناك حاجة غير طبيعية في سياق الزمن المتدفق .

ربما تظن أنه نقص كافيين، وفنجان قهوة قد يحل كل شيء ! قمت إلى المطبخ، الماء يغلي وأنت تتأمل انفراج الظلمة بخيوط الشمس، وزقزقة عصافير تسعى في أرض ربها مسبحة مجلية لعظمته، ثلاث ملاعق صغيرة ونصف ، لنصف الغلاية، تكفي لكي لا تكون الكمية كبيرة جدا عن الحاجة، رائحة القهوة مذهلة ، وها أنت تخفف النار، وتخلطها خلطا حتى تذوب القهوة في الماء على نار هادئة، وتعطيك ذاك المزيج السحري.

جلست، تستمع لصوت الفجر، وبعض الجيران بدؤو يحركون سياراتهم غدوا إلى أعمالهم الروتينية التي يعيشون بها ولها ، ومنها وإليها حياتهم.

مضى وقت، قمت ترى بعض أعمالك، ولكن نبضات الألم لا زالت موجودة وتزداد قليلا ، ما العمل! حبة مسكن موجودة في كل بيت ، هناك فوق الرف أو في درج المكتب، أو أي مكان معتاد جدا، بين المفاتيح وفواتير ليس لها داع، كوب ماء، خمسة عشر دقيقة، يبدأ الوضع يتحسن، تنجلي غمامة النبضات التي كانت تحيط بك.

حبة مسكن، أعادت الأمور لجريانها الطبيعي، وبدأت تشعر بنوع من الراحة الممتعة، فسبحان الله، هذه هي الحياة ، بين نكبة وفرحة، ونكسة وقوة، وراحة ومرض، نعيشها ، فرحين أو حزانى، شاكرين أو معتبرين ، حامدين لله في السراء والضراء.

لكن الأهم، هل نحن نحتاج دائما حبة مسكن ؟

ماذا لو لم تكن تلك الحبة ذلك الصباح في درج المكتب، وبحثت عنها فوق الرف، وفي علبة الحلوى التي نضع فيها إبر الخياطة وأزرارا لقمصان قديمة ؟

سنكمل اليوم بقليل من الصبر، وربما ساعة أو ساعتين وينجلي ضباب الصداع، ويحل علينا جهد العمل وهم الاشتغال و الانجاز.

ولكننا بلا شك سنكون أقوى عن المعتاد بخبرة يوم واحد، في الصبر على هم الألم ؟

وهي أيضا سنة الحياة، كل وجع نصبر عليه، وألم نتجاوزه، وانتكاسة نقوم منها متثاقلين، هي في رصيد الخبرة التي نتزود بها على نوائب الدهر القادم.

ماذا يقول القرآن الذي هو كلام الله ، وفيه شفاء للناس ؟

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

البقرة/ 155 – 157

ولبلونكم ، وماذا ؟ ماذا بعد الابتلاء ؟ " وبشر الصابرين "

إن القرآن ، أتى بأمر الله ، أن الصبر هو وسيلة العبور إلى البشرى ، وهي هكذا دنيانا ، ونتاجنا فيها ، وفي الآخرة.

فاللهم أعنا على نوائب الدهر، واجعلنا من المبشرين والصابرين، في الدنيا والآخرة.

عبيدة محمود ياسين .