يُعرف دوستويفسكي بعبارته القوية في كشف كل عفن النفس البشرية وخبثها وانحرافها، واشتهر بقدرته الفائقة على وصف ما يتحدث عنه.

لنقرأ هذه الكلمات له من قصة "العذبة":

"على أن الشيء المهم هو أمري أنا! لقد أسرعت أفضي إليها بأفكار كانت قد دارت في خاطري، على الأقل لتنظر إليها بعين الإعتبار بعض النظر، ولعلني نجحت في هذا وبلغت ما أردت. بل أكثر من ذلك أنها في البداية، رغم مقاومتها، أصبحت تقبل عليّ إقبالًا فيه حب، وتستقبلني حين عودتي في المساء استقبالا ً زاخـراً بالحماسة، وتأخـذ تهذر هذرها البريء، فتقص عليّ حكاية طفولتها كاملة، وسنى صباها التي قضتها في دار أبيها، وما كانت تعرفه عن أبيها وأمها. لكنني كنت أعرف كيف أصب ماءً بارداً على هذه النشوة وهذا السكر. وتلك كانت فكرتي. كنت أرد على حماستها بصمت، بصمت متسامح طبعاً .. فما أسرع ما لاحَظَت هذا التعارض، وما أسرع ما نظرت إليّ نظرتها إلى لغز مستغلق. وعلى هذه الألغاز إنما كنت أبني أنا حساباتي وأعقد آمالي! بل لعلني من أجل أن تحـل هي هذا اللغز المستغلق إنما اندفعت إلى فعل ما هو سخف واستحالة. عمدت في أول الأمر إلى القسوة. أدخلت القسوة إلى بيتي نظاماً ثابتاً. وتم هذا من تلقاء نفسه دون أي جهد. لم يكن ثمة سبيل غير هذا السبيل. لقد كان ثمة نظام حقاً!"

في هذه الفقرة يحدثنا دوستويفسكي عن أحد الأزواج الذي بدأ حياته الزوجية بعدة أمور اعتبرها ركائز لا غنى عنها في بيت الزوجية، وكان فيها خراب البيت وهلاكه، وهي:

1- اعتبر نفسه المهم وكل شيء يدور في فلكه هو وحده.

2- تحدث وتحدث وتحدث حتى تعرف زوجته طباعه وما يحب وما يكره وكيف يفكر وكيف يجب أن تتصرف، ثم توقع أن تتصرف بما يرضيه دون أن ينطق بحرف. مجرد دخوله البيت يعني أن عليها أن تقوم بأدوار محددة معروفة ومحفوظة ولا داعي للحديث عنها.

3- قابل هذا الزوج كل حديث لزوجته وتفصيلها في السرد بصمت مطبق، حتى يظن الناظر إليه أنه جثة ليس فيها حياة!

4- أدخل القسوة نظامًا ثابتًا، إذ أن فترة الزواج الأولى هي فترة حرب طاحنة يجب أن ينتصر فيها ويسحق "الخصم" سحقًا بحيث يضمن انتصاره عليه أبد الدهر!

ترى، هل اختفت هذه النوعية أم لا زالت قائمة؟ هذا سؤال متروك لكم في المحيط الذي تعيشون فيه.