إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٦﴾

الآية جاءت بصيغة التأبيد حيث لا تنفعهم النذر فجعلت بعض المفسرين يقولون ويجنحون إلى عقيدة الجبرية وأن الذين كتب الله تعالى عليهم الكفر وقدر ذلك عليهم بلا عمل لا يؤمنون , ولا شك أن هذه عقيدة فاسدة وتفتح الباب على مصرعيه للفسوق والالحاد, ولا شك ان الله تعالى علم كل شيء أزلا وكتب كل ذلك عنده وقدر كل شيء تقديرا ولكن ذلك لا يتعارض مع حرية الإرادة الإنسانية التي منحها الله تعالى له ليختبره ويبتليه إما شاكرا وإما كافورا ولكن الحق أن الذين علم الله تعالى بعلمه الأزلي أنهم سيكفرون بإختيارهم ومحض إراداتهم رغم النذر والبينات فهؤلاء لن يأمنوا أبداً.

إن مقصود الآية الكريمة ـ كما نفهمه ـ أن الذين كفروا بهذا القرآن الكريم وهو البيان المعجز والفرقان المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد, الذي ملاء بنوره وبركاته عالم الملك والملكوت.... فمثل هؤلاء الذين يكفرون به ويجحدونه كمنهج حياة لمن خلقهم الله تعالى ولم يتركهم هملا, كمثل من وقف في العراء تحت الشمس في قيظ الظهيرة وينكر وجود الشمس والنهار, فمثل هؤلاء مهما آتيتهم من ادلة وبراهين وحجج ومنطق, لن يؤمنوا لك ... لأنهم ما داموا يجحدون ما يطرق حسهم طرقا ويملأ مسامعهم وابصارهم ويغشاهم من كل الاتجاهات, وهو نور النهار وضياء الشمس وحرها, فلا ينفع معهم ما هو دون ذلك بكثير من الادلة والبراهين السمعية المنطقية.

وهذا المثل للتقريب وليس للتشبيه, لأن الشمس وضياءها والنهار ونوره, وما يترتب على ذلك من منافع للبلاد والعباد, لا يعدو أن يكون قطرة من بحر القرآن الكريم الهادر المحيط, وشعاع واحد من شمس القرآن الكريم.

فمن يكفر بما هذا بعض وصفه ودون حقيقته بكثير, فهل تراه يؤمن بما دونه ولا يشبهه, كما قال تعالى " تِلْكَ ءَايَٰتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ" 6 الجاثية

 فلا شك في موت قلبه وفقدانه للحد الأدنى من الاحساس والادراك والتصور الصحيح, لذلك ينحدرون على سلم الحياة إلى ادنى حياة , واسفلها حتى ما دون حياة البهائم والانعام, إلى ادناها واحقرها في درجة الديدان والحشرات.