هناك أساتذة مشهورون في أمريكا يقومون بتجارب علمية خطيرة بأنفسهم داخل فصولهم و هي تجارب قد تقتلهم، لعل أبرزهم الأستاذ والتر لووين Walter lewin (قناته موجودة على اليوتيوب) و الذي يقوم بتجارب مجنونة...لكن ثقته العمياء في قوانين العلم و الفيزياء الصارمة أكبر من خوفه أن يلقى حتفه بضربة كرة البانادول المُتأرجحة مثلا...و بالتالي فالسيد والتر مستعد أن يفدي قوانين العلم المُحكمة بحياته و شعاره يقول "بالروح بالدم نفديك يا فيزيكس" و أيضا "اينشتاين ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح".

و هنا لدي ذكريات غير بريئة مع مختبرات الإعدادية و ما يسمى مجازا "مختبرات" كليات القانون و الإقتصاد و أود أن أشاركها معكم:

أذكر عندما ولجت كلية الإقتصاد كان من بين الأمور التي أثارت استغرابي هي لافتة فوق باب مكتب مكتوب فوقها "مختبر الدراسات الإقتصادية و المالية" و بجواره مختبر "الدراسات القانونية و الجبائية"، و سبب استغرابي هو أن مخيلتي كانت تربط اسم مختبر بمكان يُجري فيه علماء و باحثون أو أساتذة بمعية طلبتهم تجارب على مواد أو كائنات حية.

و هنا أسرد عليكم واقعة ظريفة وقعت في اعداديتي التي درست فيها، حيث كان أستاذنا في العلوم الطبيعية متحمسا ليشرح لنا الفرق بين الحيوانات العاشبة و اللاحمة بطريقة مقنعة و مبسطة، فأحضر أستاذنا قُنيةً معه و وضع أمامها قطعة خس فأكلتها، ثم وضع أمامها بعد ذلك قطعة لحم صغيرة كي يُفهمنا أن أمامنا كائنا عاشبا، فكانت صدمة الأستاذ وصدمتنا قوية و نحن نشاهد القنية تلتهم قطعة اللحم في خرق سافر لقوانين الطبيعة المُحكمة...و وقتها وجد الأستاذ صعوبة في شرح هاته النازلة، و هل الأمر يتعلق بنوع جديد من الأرانب أم أن السبب فقط هو أن القنية المسكينة ظلت محبوسة حبسا احتياطيا في المختبر تتضور جوعا.

و بالتالي إذا استثنينا تقشف إدارات المؤسسات التعليمية في ميزانية مختبراتها (كإطعام القوارض مثلا) فكل التجارب التي تُجرى فيها تكون نتائجها معروفة و محسومة سلفا لأنها ببساطة تخضع لمنطق العلم المادي...

و عودة لأسوار كلية الحقوق و الإقتصاد..َفَلِسذاجتي كنت أتخيل أساتذة الإقتصاد يلجون ما يسمونه "مختبرهم" يقومون بخلط محلول مستخلص من الناتج الداخلي الخام (PIB) مع برنامج تنموي لمحاربة الهشاشة و من ثَم ينتظرون تَكَوّن مادة الإزدهار الإقتصادي النادرة...أو مثلا كنت أتصور أساتذة القانون الجبائي يُحاولون حقن فأر بجرعات من الضريبة على الدخل كي يتأكدوا من الجرعة المثالية التي تجعل الفأر نشيطا أكثر في قفصه ...

و اسرح بخيالك مثلا و تخيل أن يخرج أستاذ اقتصاد متَعَرقا من مختبره و يزف بشرى للمجتمع العلمي قائلا :" بعد بحث مُضْنٍ توصلت لمعادلة التنمية المستدامة التي تجمع النمو الإقتصادي، نسبة التضخم و نسبة العجز الموازناتي"..محاولا تقليد آينشتاين و معادلته الفيزيائية الشهيرة E=m*c2 E ( E ترمز للطاقة وm للكتلة وهي مقياس لكمية المادة وc هي سرعة الضوء في الفضاء.