كنت أظن أنه ومع مرور السنوات الطويلة سيقل قلقي وجلدي لذاتي تجاه أبنائي وما مضى من حياتي معهم، حتى أصبحت أخشى أن أكون سببا لآلام نفسية يعانون منها في المستقبل، وذلك دون قصد مني أو تعمد.

ولحسن الحظ لا يوجد أب بلا أخطاء ولا توجد أم كاملة، فقد يرتكبون أخطاء جسيمة، لكن مع الوعي والاحتواء لن تترك هذه الإساءات تشوهات نفسية، "أمومة جيدة بما يكفي"good enough mothering

ومع اختلاف الإساءات التي قد نتعرض لها بالطفولة بداية من الإهانة والإهمال إلى الضرب والتخويف والتفرقة بين الأخوة، كل هذا قد ينجم عنه أنواع من الصدمات النفسية ومنها

  1. الهجر

هو النفي الشعوري، فهذا الطفل الصغير لم يشعر بوجود بيئة آمنة حاضنة له، ولم يحصل على الدعم الكافي من أسرته أو يشعر بالانتماء الحقيقي لهم.

فالهجر في حقيقته افتقاد للشكل الذي كان يجب أن تكون عليه العلاقة، وذلك حين يشعر الطفل أنه مهجور أو أنه قد ترك، فالشخص الذي كان يتوقع منه الحب والأمان، ويتوقع أن يستمد منه القوة قد خذله ورفضه. 

فيخرج للعالم الخارجي شاعر بالاغتراب والتهديد، وفي محاولة منه لتسكين هذا التهديد، يلجأ للانعزال أحيانا ،وللسلطة أو الشهرة أحيانا، وللإدمان أحيانا أخرى.

 كلها محاولات للهروب و آليات دفاع للتعامل مع الضغوط والقلق.

2- الغضب والاستياء

هذا الطفل المتروك أو المرفوض يحمل الألم والغضب، ولكنه لا يستطيع أن يعبر عنه بل دفنه داخله لسنوات طويلة حتى تحول لوحش كاسر لا يمكن احتواءه.

لم يفصح عنه أو يتمرد ويغضب كبقية من هم في مثل عمره لأنه ببساطة كان يخشى من أن يجر عليه المزيد من المتاعب في بيئة لم تكن تعرف سوى الكبت وعدم التواصل.

 فتنمو وتتعاظم صرخة الغضب المكبوتة داخله، ويتعلم كيف يقوم بلعبة "التحويل" Displacement  فهو يمارس غضبه على أي شخص عدا والديه الذين مارسا القهر الحقيقي ضده في صغره.

نراه عصبي جدا، يلعن المواقف والجو والزحمة والظروف والناس وحتى الأقدار. 

عنيد لا يرضى ولا يهدأ، يفتعل المشكلات من أجل التنفيس عن غضبه.

يخسر علاقاته وأحيانا عمله بسبب نوبات الغضب والهياج المستمر.

للأسف إذا أصبح أبا أو أما فهو يقوم بنفس الدور مع أبنائه ويسلط غضبه عليهم وعلى شريكة حياته.

هذا الشخص يحتاج أن يطبطب على الطفل الغاضب داخله، يتعاطف معه ويستمع إليه، ويتعلم كيف يمكن أن يساعده بشكل صحي في التنفيس عن غضبه.

هل عانى أحد منكم من جرح الهجر والاغتراب أو جرح الغضب والاستياء؟ هل تصالحتم مع الطفل الداخلي؟ وكيف اكتشفتم جروحه وغضبه؟