احيانا "اظهار التعاطف " تجاه إنسان لايكون ابداً فى صالحه بل قد يكسِره ويضعفه ويهزمهُ امام الظروف الصعبة التى تواجهه فى حياته ، التعاطف يُعزّز ويأكد لديه الشعور بالمعاناة، ويُفسِد عليه كُل مُحاولاته المُستميتة لتهدئة نفسه وإقناعها بأن ما يمُر به شيئا يسيراً سيقدر على احتماله، وأنه لا يستحق تهويله وتضخيمه هكذا .. حتى يستطيع التعايش والتأقلم معه إذا كان مجبراً عليه ، أو حتى يُمكنه التفكير بهدوء للخروج بحل إذا كان ذلك ممكناً ،
حين يرى التعاطف ممن حوله من الأقربون بكلامهم او فى سلامهم او يراه فى عيونهم على عكس تماما مايراه من الحياة من قسوة وشدة ، فيقوده ذلك إلى الشعور بالمعاناة مرة أخرى والإحساس بإنه ضحية جدير بالشفقة ، فلا يقدر على التأقلم والمواجهة ولا يستطيع التفكير السليم للخروج من هذا المأزق ، وتُصبح أمنيته أن يفر إلى غرفته الصغيرة فيختبئ فى زاويتها ويجلس ليبكى ويعتزل الحياة .
مُنذ يومين شاهدتُ فى أحد البرامج التلفزيونية لقاء مع والدة شهيد من ابطال سيناء ، وتقوله والدته بإن أبنها عاد إلى البيت لقضاء أجازة ، وذلك بعد مداهمه دموية ضد التكفيريين سقط فيها الكثير من زملاءه ، فما كان استقبال والدته إلا أن قالت له ( إنت ايه اللى جابك ، مترجعليش إلا لما تجيب حق زمايلك إللى ماتو "
لم تستقبله بالبُكاء والأحضان ، لم تقل له " احنا بنموت كل يوم وحاطيين ايدينا على قلبنا " لم تقل له ( إحنا منقدرش نعيش من غيرك ولازم نشوفلك واسطة تنقلك ... إلخ )
هل معنى ذلك أنها تكرهه ! ؟ او لاتحمل في قلبها عاطفة الأمومة ؟!
هناك مواقف لا تستدعى إطلاقا إظهار العاطفة ، حينما يصل الأمر إلى الى الدفاع عن أرض , عِرض , او عقيدة فاالعاطفة حينها ستُدمر وتجعل الإنسان ضعيفا خائفاً لا يقوى على شئ ويخسر كل معاركه فى الحياة ، وربما يخسر دينه ..
هذا الجُندى أستُشهِد فى مُداهمة أخرى ، ويذكُر أحد زُملاءه الناجين بإنه كان بطلاً فى المعركة ، لم يهاب الموت ، بل أقبل عليه بصدر رحب ، وظل يقاتل ويحمى زملاءه من المصابين والشهداء خوفاً من أن يأخذهم احد من التكفيريين ليُمثلِوا بجثُتهِم ، العجيب أنه لم يكن يفعل ذلك وهو سليماً بل كان مصاباً بطلقات نارية متفرقه بجسمه ، ظل يدافع ويقاتل حتى نطق الشهادة ولفظ أنفاسه الأخيرة .
قد تتسائل الأن .. كيف يحدث ذلك ألم يهاب الموت ! ألم يتسلل الخوف إلى قلبة والنيران حوله من كل مكان فيفكر فى الهروب ! من أين أتى هذا الإنسان بكل هذا القوة والثبات حتى وهو يصارع الموت ؟ من المؤكد بلا شك أنها قوة إيمان ولكن لا شك أيضا أن والدته كانت مصدر قوته وثباته ، ربما تذكر وهو يقاتل كلمات أمه الأخيرة تلك التى تدفعه وتحثه فيها على القصاص لزملاءه والدفاع عن الأرض فكانت كلماتها بمثابة الوقود الذى اشعل صدره ففتك بنيران سلاحه صدر عدوه حتى لقىَ حتفه وذهب الى ربه بطلاً شجاعاً ، وبقيت سيرته على الأرض يذكرها التاريخ .
تخيل لو كان كلام والدته معه فى ظل ذلك الوقت بالبكاء والعاطفة ربما لتذكر ذلك فى قتاله " فتذكر دموعها وسلامها ونظراتها " وشعر بالحنين إليها فضعف وقُتل والخوف يملأ قلبه .
فى مشهد فى أحد المسلسلات .. يجلس اثنان من التكفيريين فى الصحراء بعدما هجروا عائلتهم من أجل قتال الطواغيت ونصرة دين الله كما يتوهمون ويقول احدهم للأخر " عاجبك الرامية اللى احنا فيها دى ، إزاى مستحمل تبعد عن بيتك ، ما بتحنش لعيالك ولا لمراتك ولا لـمتك وسطهم "
كان رده عليه " لا .. أنا كنت مهيأ نفسى لـ ده من زمان .. فـا مكنتش بعود نفسى إنى اتعلق بيهم .. عودت نفسى ما ارتبطش بحد ولا بحاجة مهما كانت " ..
كان يرى أن العاطفة تجاه اولاده او زوجته او تجاه اى شئ ستُضِعفهُ حينما يسير نحو ماخطط إليه فى طريق الجهاد والدفاع عن عقيدته فلن يستطيع أن يجاهد وربما يحن إليهم ويعود ، فقتل تلك العاطفة التى ستقف فى سبيل هدفه الأسمى (كما يتوهم) !!
هناك مواقف تحتاج أن تقتل فيها عاطفتك ، فااحرص على أن لا تجعل عاطفتك تؤذيك أو تؤذى من حولك ( فإذا كنت أباً أو أماً فلا تجعلوا عاطفتكم وخوفكم على أولادكم تؤذييهم فتغلقوا عليهم نوافذ الحياة ، اعطوا لهم الفرصة ان يتعلموا ويخوضوا تجارب قاسية بأنفسهم اتركوهم يعانون ويبكون وأنتم تراقبونهم من بعيد حتى وإن كنتم تتألمون ،فالحياة ليست كأحضانكم ستأخذهم فى احضانها حينما يبكون او يعانون ، الحياة قاسية ، قاسية جدا .. لن ترحمهم حينما ترحلون ! فاا ارحموهم !
كما أن هناك مواقف أيضاً يجب أن تُظهر فيها عاطفتك فأنت إنسان وحولك أيضا بشر فى حاجة إلى ذلك !
التعليقات