تعلمت القراءة في سن متأخر جدا بالنسبة لي، هو التاسعة، وكنت أنظر إلى الكلمات بنفس الحسرة التي تعتريني الآن لما انظر إلى الصينية ولا أمل في تعلمها، أو حتى إلى الإنجليزية سابقا قبل أن أعرف أنها مثلها مثل العربية مجرد لغة اشتقاقية (هذا يسهل تعلمها). لما عرفت شفرة فك طلاسم الكلمات، سحرني ذلك، أنا أقرأ منذ تعلمت القراءة، ولكن لم أبدأ في الكتابة الذهنية (أكتب كل ما يجول بذهني) إلا في فترة أكثر تأخرا أعتقد ما بين سن الحادية عشر والثالثة عشر. وما بين 2009 و2016 بشكل خاص، وحتى يومنا هذا بشكل عام، تواصلت وما زلت أتواصل مع أغلب دور النشر المصرية أو العربية، أثناء كتابتي لقصصي ورواياتي، وبعض مؤلفاتي الغير أدبية. ومنذ عام 2018 إلى اليوم، مرّت ست سنوات لم أعمل بها بشكل محترف إلا مع عدد قليل جدا من المنصات هي المشار إليها في هذه المقالة

والتي كانت بديلا مقنعا ومرضيا عن الكتابة مع دور النشر.

ولكني كنت أتصيد أي مدونة على الإنترنت، أو منتدى، أو صفحة على الفيس بوك أو خلافه، مشهورة أو غير مشهورة، لأكتب معها. كنت أرفض أي مقابل مادي، مقابل رغبتي في نشر وتوثيق كتاباتي (التي أحرقت وأتلفت تسعة أعشارها والحمد لله). وكتاباتي متنوعة، تركز بشكل خاص على النقد الأدبي والسينمائي بما في ذلك نقد ذاتي لما أكتب من إبداع أدبي. أو محاولاتي المستمرة والبائسة لتعلم المونتاج والتصوير. وعلى صعيد أوسع، أحب الكتابة الصحافية والنقدية، في مواضيع أكثر عمومية مثل الإعلام والقانون والاقتصاد والفلسفة، علم الاجتماع والنفس، والثقافة.

تقييمي لذاتي على صعيد الكتابة، يؤهلني لنيل أقل الفرص التي استحقها عن جدارة، لتأمين دخل ثابت يضمن لي الاستمرار في الكتابة والتفرغ لها، وأنا راض بالحد الأدنى، أي مقالة مقابل ألف جنيه، مقالة واحدة كل أسبوع، أي أربع مقالات في الشهر، بمعدل أربعة آلاف في الشهر، وهو مقابل أقل حتى من راتب مستحق لموظف أو عامل عادي.

المغيظ في الموضوع، أنني أتابع عن كثب، صعود كل من كنت استهين بكتابتهم، حتى تطورت مع الوقت، وصاروا بالفعل كتابا أحسن، هؤلاء الروائيين، أو أولئك الصحافيين، وأغلبهم يعملون اليوم على الكتابة أو مشاريع ذات صلة بها. ما ينأى بهم عن الخوض في صراعات الحياة المريرة، سواء العمل كعامل بمرتب، أو العمل كمستقبل وشبه رجل أعمال مفلس بدون أي مشروع قادر أن يدير نفسه (أتحدث عن نفسي). وأنا هنا أعاني فقرا ومرضا وهمّا، بل ومحتمل في أي لحظة، وبسبب البيئة التي أعيش بها، أن يضيع مستقبلي كله، بسبب التحرش المستمر من تجار المخدرات، الذي كدت أكثر من مرة أن أقتل أحدهم دفاعا عن نفسي، ولكن حتى هذا له طائلة قانونية (حاليا أتعشم في ضابط جديد لمكتب مكافحة المخدرات يقولون أنه نزيه ولا يرتشي ولا يرحم المجرمين).

هناك حجتين تم الرد عليّ بهما، مثل قول محمد المخزنجي، وغيره، أن الكاتب الفلاني أو العلاني كان يسعى، حتى وصل إلى ما هو عليه، طيب الجميع وصل، وأنا لم أصل. بل ورغم أنني صرت معروف إلى حد ما، لم أكون علاقات مثمرة على صعيد العمل. حاليا مثلا، أنا لا أكتب في أي منصة.

الحجة الثانية، كما جاء في كلام الباحث كريم الصياد لي، لما سألته مناقشته لي بعض المقالات الفلسفية، فقال لي ساخرا ما معناه أنها لا تستحق النظر طالما لم يجري تحريرها من قبل مختص، وعبر منصة أكاديمية متخصصة. هذا ومع تكراره، ما دعاني للسؤال حول حصولي على شهادة جامعية كماء جاء في نقاش لي مع @Mostafa_Shapan

لا أقول أنني أريد أن أصبح ثريا من الكتابة، ولا مشهور يضرب اسمي في الآفاق، ولكن أحتاج هذا القدر المناسب والضئيل من المال (دخل ثابت ولا أقول ثروة)، والشهرة (أن أكون معروفا في الوسط، وأكون بعض القراء المؤمنين بي، لا أكثر). وهذا لا يكون إلا عبر التسويق لنفسي، وهو ما أفعله الآن، فأنا استغل كل منصة ممكنة للتعريف بنفسي ومشاريعي، ولا أعتقد هذا مخالف للوائح حسوب، فأنا هنا أفتح نقاش مستمر. أنا لا أحاول نيل التعاطف عن أحد، كففت عن ذلك. ولا أحاول حتى إيضاح كم أنا قوي وصامد. لم أعد مهتم بذلك حاليا. بل معني بحل مشكلتي، وتعميم الحلول المقترحة على جميع من يواجهوها مثلي.

بالنسبة، سأستمر في هذه المدونة، إلى أن أحقق عملا مستقرا مع منصة ما، وقد يكون ذلك عبر مستقل من حسوب، لولا أنني حاليا لا أملك الـ 500 جنيه التي أحتاجها لفتح حساب البريد المصري، ولا أملك هاتف لفتح حساب بايبال عبره. وبالتالي أي حساب لي على مستقل سوف يبقى معطلا.

ربما تكون النجاة في العمل مع منصة صحافية مثل تلك التي سأذكرها تباعا، لو حصلـ، وعملت مع مدونة أو صحيفة، ساعتبر ذلك حلا، وأملا لمن يعاني مثلي.

إلى أن نصل إلى ذلك، طوق النجاة يظل في أيدينا، أنا غير مكتئب حتى ولو كنت دائما حانق على الجميع، في الواقع أكتب هذه الكلمات وأنا مبتسم، هذه المساهمة، سأحاول الترويج لها ومشاركتها عبر تدوينات أخرى على مجتمع حسوب.

ما نريد مناقشته هنا، هو عمل حصر، لجميع المدونات الصحافية وغير الصحافية في العالم العربي، وأيضا المدونين الذين يعملون بهذه المنصات، وربما الكتاب العاملين بصفة شبه مستمرة مع دور نشر بعينها. على غرار اعرف دور النشر (جروب مشهور على الفيس بوك) ربما نعمل هنا ما يمكن أن نقول عنه (شبه نقابة للصحافة الرقمية الحرّة والنشر الرقمي).

ولكنها نقابة لا تملك أي حقوق أو واجبات أو إلتزامات تجاه أعضائها سوى الرغبة منا في مساعدة بعضنا البعض، لا أقول إطلاق الأحقاد على هؤلاء الذين وجدوا فرصا لهم، ولا إطلاق الأحكام عليهم -واعذروني لو كنت أفعل بدون قصد من منطلق عجرفتي- بل مجرد تتبع مساراتهم، للوصول إلى صحافة حرّة حقيقية، تُعطي الفرص للجميع، وليست منقادة من خلال مجموعات شللية أو وساطة أو مكانة أو خلافه.