غزة هاشم، هازاتو، هزاني، غازاتو، كلها اسماء لبقعة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 360 كلم مربع لكنها تسمو على كل ما يمكن ان يقال، ولا شك أنها جعلت من أقوى ثالث جيش في العالم اضحوكة لمجتمع دولي لم يعد يعرف الانسانية، ولم يعد يفرق بين الجلاد والضحية.

في اليوم السابع والثلاثين لحرب "طوفان الأقصى"، وجدت إسرائيل نفسها وجها لوجه أمام نفسها، تقتل الأطفال والنساء وتدمر المستشفيات ودور العبادة على مرأى العالم وسمعه، مستخدمة أشد الأسلحة فتكا وأكثرها تقنية.

في اليوم السابع والثلاثين لهذه الحرب، تجد إسرائيل نفسها محرجة أكثر من أيام حروب "الفرقان، حجارة السجيل، العصف المأكول، صيحة الفجر، سيف القدس، وحدة الساحات" والتي، عاجزة عن السير، لا في اتجاه وقف إطلاق نار مؤكد ولا معركة برية مضمونة النتائج.

لقد فشلت مساعي إسرائيل الجديدة بالضغط على المقاومة، عبر منهج ترحيل السكان جماعيا من أحياء ومناطق إلى أماكن أخرى، كما فشلت في إضعاف حدة نيران المقاومة، فوصلت الصواريخ إلى كل بقعة في إسرائيل.

لقد نجاح المقاومة الفلسطينية، "كتائب القسام، وسرايا القدس"، بعد مضي حوالي 37 يوماً في أن تحافظ على قدرتها بإطلاق الصواريخ على إسرائيل بوتيرة يومية شبه ثابتة بما في ذلك إطلاق الصواريخ نحو مدن الوسط، رغم تكرار إسرائيل أنها دمرت عددا كبيرا من المنصات، وبالتصدي لطائرات ودبابات وجرافات العدو الصهيوني، في حرب برية لم تشهدها اسرائيل من قبل.

لدى المقاومة العظيمة في غازاتوا مفاجآت على غرار هجمات الأنفاق والتسلل من البحر، واستخدام طائرات من دون طيار، الأمر الذي يعني أن بوسعها ألا تعتمد فقط على إطلاق الصواريخ، واثبتت الأيام ان اسرائيل دخلت مستنقعاً من الصعب الخروج منه دون دفع ثمن غال.

إن الاستنتاج الأهم من ذلك كله، هو أن الدرس الذي يجب أن يكوي الوعي في الجانب الإسرائيلي بعد هذه الحرب هو أن قوة الجيش الأعظم في الشرق الأوسط باتت محدودة.

عدوان بري أشبه بمحاولة مستميتة للقضاء على المقاومة اجتياح ليس بالمعنى المألوف إسرائيلياً، بل هو خلاصة تؤكدها الوقائع الميدانية والسياسية، محاولة لن تبصر النور بفعل الصمود الميداني للمقاومة، الذي أجبر العدو تحت نيران قذائفه وصواريخه ان ينغرز في الوحل الغزاوي.

لا شك أن المقاومة الفلسطينية سوف تكسب حرب الرعب الدائرة في غزة، فقد وصلت صواريخها إلى مطار تل أبيب بعد حيفا، وأن نصف مساحة فلسطين المحتلة باتت تحت رحمة صواريخ المقاومة على تواضعها.

والأهم ان أبناء غزة هاشم ومقاومتها لا يخشون تهديدات نتنياهو بالقضاء عليهم بالحرب البرية، بل لا مبالغة إذا قلنا إنهم ينتظرونها ويستعجلونها، فقد خاضوها في الماضي وهم يخوضونها اليوم بشجاعة وقدرة فائقة، ومستعدون لها في استعداداً لا مثيل له من قبل، فطالما استمر الاحتلال سوف تستمر الحروب بأشكالها كافة، والزمن في صالح أصحاب الحق وإن طال.

إنها حرب الكرامة، وقدرة أهل فلسطين، وقطاع غزة بالذات على التحمل، أكبر بكثير من قدرة أعدائهم الإسرائيليين، فلتطل الحرب وسنرى من سيصرخ أولاً ويستنجد بالوساطات لوقفها، مثلما حصل في معركة " عامود السحاب " في عام ٢٠١٢، وقبلها في "الرصاص المصبوب"، فها هو أيهود أولمرت قائد تلك الحرب في السجن، وها هي تسيفي ليفني تتلاشى سياسياً.

الفلسطينيون لم يعودوا يعولون على العرب، ولا يبالون بتصريحات أمين عام الجامعة العربية ولا يرجون خيراً منه ولا من جامعته، أو حتى من وزراء خارجيتها واجتماعاتهم، وقممهم الغير المجدية، وهم يرون في إبادة الأطفال والنساء والشيوخ، عنوانا للشرف والبطولة فهم يرون في ذلك أكثر كرامة من جميع مبادرات الزعماء العرب، بما في ذلك مبادرة الهوان المسماة " مبادرة السلام العربية ".

لم يقف أصدقاء الشعب الفلسطيني في العالم كله موقف الحياد فخرجت جماهير مؤلله تجوب شوارع العالم بأسره ترفع اصواتها معبرة عن غضبها لحرب الأبادة التي تقوم بها دولة الكيان الصهيوني الغاصب، ورغم ذلك كله إلا ان القمة العربية الاسلامية التي كان يجب ان تأخذ موقفاً حازماً تجاه ما يجري في غزة هاشم، خرجت وكأنها لم تنعقد، وصارت قراراتها حبراً على ورق.

إن الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للمذابح يقاوم، وعرب التآمر ومجتمع النفاق الغربي يتعمدون تجاهل المذابح، لكن المقاومة التي دكت عمق مستوطنات العدو لن تسمح بأن تكون نهاية العدوان في مصلحة العدو.

إن الجريمة التي تنفذها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في غزة ليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة، فثقافة الجريمة هي كل ما يتحكم بالسلوك الصهيوني ضد كل ما هو عربي بشكل خاص وكل ما هو مسلم بشكل عام ومع كل أساليب الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد فلسطين بعد أن نجحت بتقسيمها بفعل التواطؤ الأمريكي والغربي أرضاً وشعباً إلى ضفة غربية وغزة، فإن حركة التاريخ بالمحصلة لا تصب في مصلحة الكيان الصهيوني، على الرغم مما يحدثه من خسائر في الأرواح والممتلكات والبنى التحتية والحياتية.