قبل أقل من عشرين سنة كانت القواميس والمعاجم أمر لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة للكاتب نهائياً، أمر محوري قد لا يستطيع الكاتب أن يكمل مهمّته أصلاً بدونه، يُستخدم في الكثير من الأمور أهمّها طبعاً كيفية كتابة الكلمة الفلانية التي يفكّر بها، ترى أمام الكاتب معاجم وقواميس مختصّة وغير مختصّة، منها لمعرفة شكل الكلمة ومنها للوصول إلى الحقل المعجمي للكلمة وإيجاد مترادفات لها، هذا الأمر برأيي الشخصي العملي أثناء الكتابة تبدّل بشكل جذري بعد اختراع واستخدام الانترنت، ولكن لماذا؟ 

لإنّ البحث سهّل علينا هذه الأمور، صرت مثلاً حين يصعب عليك أن تعرف شكل كتابة الكلمة التي تخطر لك، يكفي كتابتها وحتى بشكل خاطئ لترى استخداماتها في النصوص والمقالات المُحترمة المُنقّحة والمدققة إملائياً، لترى استخدامها في الكتب المقدّسة أو الأشعار، مما يسهّل الأمر ويجعله موثوقاً بشكل أكثر وأسرع بكثير، حتى بالنسبة للكلمات المفتاحية والمترادفات الأمر صار أسهل بالبحث، يكفيك ضغطتين أو ثلاثة لتقوم بعصف ذهني إلكتروني لا علاقة لتفكيرك به وتدرك الكثير من التأشيرات والخيارات حتى لكلمات ربما لن تخطر على بالك أو تعرف جذر أصعب كلمة ممكن أن تخطر على بالك، حتى تلك الأسئلة التعجيزية التي كُنّا نضيع فيها من قبيل: ما جمع هذه الكلمة، يكفي أن تقوم بالبحث لثانية لتجد ضالّتك

هذا العصر أسهل وهذا الزمان برأيي أنّ أجمل مافيه أنّهُ يطرد أمرين من حياتنا بشكل كامل وكلّي، الورقيّات والبطئ بالبحث والعمل، يطرد الورقيّات بقدرتك على الاستعانة بكل الانترنت من نصوص مكتوبة وأفكار ونقاشات ومنتديات وتجمّعات افتراضية لا حصر لها ليصير حتى هذا البحث الأشمل على الانترنت أيضاً وعلاوة على ذلك أسهل وأسرع بكثير مقارنةً بالشغل الذي كان يبذله الكاتب قديماً في صنعته. 

هناك من يعتقد أنّ هذه السهولة تعني أنّ كتّاب الزمن الأوّل أفضل وهذا برأيي غير صحيح وغير عملي بالمرّة، الأمر ليس كذلك نهائياً، لا يعني بالضرورة أنّك تتعب لتجد النتيجة أنّك تُصدّر بالضرورة للناس منتجات أهم من الأدب والقصص والحكايا، السهولة التي تجعلنا هذه السنين قادرين على التخلّي عن المعاجم والقواميس وامّهات الكتب تتيح لنا أن نصرف أوقاتاً أكثر على التفكير أكثر في صلب ما نقوم به ونصنع، وأنت؟ ما رأيك؟ هل تتفق معي باعتقاداتي هذه أم لديك رأي مغاير مبني على تجربة مختلفة؟