"الكاتب وعاء لأفكار الآخرين"
"ما الليث إلا عدة خراف مهضومة"
"العمل الأدبي كلوحة فسيفساء تهشمت ثم أعيد تشكيلها"
تلك الأفكار التي تدور في الحقل الأدبي حول ما يعرف ب "التناص"
تلك القضية التي شغلت الفكر الغربي والعربي عقودا من الزمن (كيف تكَوَّن النص الأدبي؟ هل للكاتب بصمة في العمل، أم أنه مجرد وعاء؟ وإن كانت له بصمة، فكيف تكونت هذه البصمة؟)
هذا الموضوع موضوع عجيب، وأعجب منه من يتناوله ببعض السذاجة، فيظن أن المعنى هو مجرد الاستفادة من الآخرين!
بداية دعونا نؤمن تماما أنه ما من كاتب له حق الإبداع الكامل في كتابته، وأنه قطعا ناقل لأفكار، وهذا أمر أراه متفقا عليه بين الأولين والآخرين.
فهذا زهير بن أبي سلمى يقرر هذه الحقيقة بقوله:
ما أرانا نقول إلا معادا أو معارا من لفظنا مكرورا!
وهذا الناقد الروسي باختين يقررها هو الآخر بقوله:
" آدم (عليه الصلاة والسلام) هو الوحيد الذي يستطيع أن يتجنب تماما إعادة التوجيه المتبادلة فيما يخص خطاب الآخر الذي يقع في الطريق إلى موضوعه؛ لأن آدم كان يقارب عالَما يتسم بالعذرية، ولم يكن قد تكلم فيه وانتهك بواسطة خطاب الآخر"
وهكذا حتى كانت المقولة الشهيرة: "ما ترك الأول للآخر شيئا"
لكن هل ترى التناصيين يعنون هذا المعنى؟
الحقيقة أن بعضهم ينكر تماما أن يكون للكاتب فضل في كتابته! لماذا؟ لأنهم يرون أن عقلية الكاتب تكونت أصلا من الخارج أي من القراءات والثقافات والمعارف المختلفة التي كونت هذه العقلية، أي إننا إذا افترضنا أنه أخذ أفكارا من الآخرين، ثم أضاف وحذف، وحوَّر وصاغ... حتى صار العمل في حلة جديدة- من أين له العبقرية التي أضافت وحذفت وحورت وصاغت؟
تلك العبقرية نفسها من الخارج أي أن العمل كله صار من الخارج!
والآن، برأيكم هل حقا ليس للكاتب فضل في كتابته؟
هل معنى التناص هو المعنى البسيط الذي يتناوله البعض من خلال فكرة التأثير، أم أنه أكثر عمقا من هذا؟
التعليقات