هل الكاتب دائما على حق؟ أم أن ما يكتبه يكون صحيحا ولكن من وجهة نظره هو فقط؟ 

الكاتبة "أنا لاموت" ترى بأن الروائي غالبا ما يروي أكاذيبا وهو في طريقه للوصول الى الحقيقة، لكن أليست الحقيقة التي نعلمها تتعارض مع مفهوم الأكذوبة؟، فكيف لشيء غير صادق أن يكون طريقا للحقيقة ؟ تقول الكاتبة:" الكاتب يبحث عن الحقيقة ويروي الأكاذيب في كل خطوة على الطريق إليها".

إلا أن الكاتب الكولومبي غارسيا ماكيز يقول بأن الحقيقة هو أفضل شكل أدبي، فبرأيك هل مفهوم الحقيقة يختلف معناه من كاتب الى أخر؟، صراحة قد نجد هذا الاختلاف غير مختصر فقط بين الكُتاب، بل أن جدلية المفهوم موجودة ومتغلغلة حتى في مجالات متنوعة في الفن والعلوم، قديما كانت تعني الحقيقة هو عدم الإخفاء أو عدم اختباء الشيء، اليوم بتعدد الرؤى والأفكار أصبح الكل يعطي مدلولا للحقيقة بما يتناسب مع توجهاته، حتى بعض الكتاب أنفسهم يعتبرون بأن الحقيقة من المستحيل أن تتحقق في العمل الأدبي أمثال بثينة العيسى إذ تقول بأن الحقيقة في العمل الفني شيء يستحيل القبض عليه، فهي الشيء الذي نحاول بلوغه بسرد الأكاذيب، وهي أيضا ما نراه ونشعر به أثناء سردنا لتلك الأكاذيب.

وبعد كل ما ذكرته قد تتساءل، إذا كانت الحقيقة لا وجود لها، فهل هذا يعني أن كل ما يسرد لنا من طرف الروائيين هو أكذوبة؟ تفسر الكاتبة السعودية جمانة السيهاتي ذلك بقولها: " أنا أضع الحقيقة ضمنيا في أكاذيب شتى، ألبس الحقيقة أفكارا من أفكاري، ليقرأها بأفكاره"'.

أعتقد بأننا كلنا تقريبا نعمل بنفس الهيئة، فعندما يقوم الكاتب بتبسيط المعلومات للقارئ فهو يلبسها قصصا خيالية وأمثلة قد لا يكون علاقة بالواقع ولكن تعد الطريقة المثلى لترسيخ المعلومات في ذهن القارئ، ولكن يتعلق هذا الأمر في الغالب عندما تكون مقالات علمية وفكرية، أما عندما يكون الشخص روائيا فالخيال يقع في قمة الهرم فهو عبر تلك التخيلات والقصص غير الواقعية ينسج منها أحداث لشخصيات قد لا يكون موجودين أصلا في الواقع ولم يمروا بتلك الظروف ولكن بين طيات تلك الكلمات قد نستخلص عبرا ودروسا واقعية ومؤلمة ممكن أن يمر بها أي قارئ أحس بأن تلك الكلمات كأنها تصف حاله وتخاطب ذاته، لذلك الحقيقة دائما ما تكون هي الغاية والأكاذيب هي الوسيلة التي تتحقق ما يريد الكاتب بلوغه من رسالته.

لذلك تخيلوا لو تلفظ الكاتب بحقيقة ما يحصل لبطل قصته منذ البداية أو بشكل علني بعبارات واضحة، كيف سيتشوق القارئ في بقية الصفحات، لكن عندما تكون الحقيقة مخبئة وتسرد بتفاصيل مجزئة سيتحمس القارئ أكثر، لذلك الأكاذيب هي من تخلق الشك وتنمي الفضول لدى القارئ لاستمرار في قراءاته من أجل معرفة حقيقة ما يحدث لشخصياته في نهاية المطاف.

هل تتفق مع الكاتبة أنا لاموت؟ ولماذا؟