مذبحة الأديب

في خِضم تفشي ظاهرة الأديب المُتلبِس بعباءة الكاتب، يقتحم المجلس أستاذ نادر الذي ساءت أحواله بعد تقاعده الإجباري قائلاً: ما هي فلسفتكم بالنسبة للحياة وماهيتها من جهة الضمير المتقدم والمتأخر وتأثر حديثكم بها؟

صمت الجميع وتحدث زميله السابق جعفر: يمكننا الملاحظة أنك أكثرة من شرب الخمر حتى بِت تنسى أننا بمجلس مغلق ولسنا في مناظرة لنجادلك

وقفت وطلبت الإذن من أستاذ جعفر وأُمأ لي براسه موافقاً فقلت: سأجيب عليك بالدياليكتيكية التي إبتدأت بها حديثك، أولاً الحياة رحلة تطول أو تقصُر حسب التقدير الإلهي ومقدار ضمائرُنا التي تجلت في عطاء ربنا في هذا العلم القليل الذي لا يتغير سوى بإدراكنا لما يحيط بنا حدسياً وتتأخر فرص نجاتنا وسعادتنا بالحركة المكانية والزمانية المتغيرة.

صمتُ قليلاً فخرج أستاذ نادر دون أن يبوح بحرف، أكملنا إجتماعنا وعند خروجي من المجلس، ذهبت الى المنزل أُجرجر زيول اليأس من ما آل اليه حال والدي، وجدتُه يجلس في باحة المنزل يتجرع من الخمر البلدي ما يُهدئ روعته.

طلب مني الجلوس ولم يُبادر بالحديث، فقلت له: ماذا هناك ولما إقتحمت علينا المجلس هكذا و.......

قبل أن أكمل بقية حديثي قاطعني قائلاً: وكيف ترد على أباك هكذا، أهكذا علمتك أن تنحرف بلهجتك، أُغرب عني الساعة هياا

ولِجت الى داخل المنزل، لأجد أمي تُحيك في إحدى الثياب وأختي تمسك بكتابها وتحتضن المصباح الوحيد بالمنزل، عند رؤيتها لي هرولت مسرعةً نحوي لتطبع قُبلة بخدي وتقول: لقد طبخت لك اليوم الوجبة التي لطالما أحببتها وأسرعت بِخطاها ناحية المنزل لعيد تسخين الطعام وانا ذهبت ناحية أمي التي أنهكتها الحياة ورمت بثقلها كله على ظهرها، قبلت يدها بصمت وجلست قبالتها، فقالت: ما بك ي وائل ماذا هناك؟

وقبل أن أُجيبها عادت أختي الصغيرة نوال بالطعام، قالت أمي إذهب وأستدعِ أباك لم يتناول شيئاً اليوم البته ولم يفتح المحل كذلك، كل هذا من جراء هذه الخمر التي يتجرعها، ذهبت اليه لأناديه وإذ به مُلقىً على وجهه بالأرض صرخت لأمي لتأتي وحملنا للداخل وفعلنا كل شئ لإفاقته ولكن إستعصت علينا أقدار الله وفارقت الروح جسده الهزيل بعد ستين عقد من المعاناة، عم السكون المنزل الصغير قليلاً حتى صرخت أختي وأُغمي عليها فهرول الجيران الى المنزل.

إحتضني البعض في محاولة تسكين وتهدئة، تمت مراسم الدفن وسط ذهول منا كيف للاجسام العيش بالعالم الخارجي من جهة وقد أضحت خواء، مرت الأيام متثاقلة، فهي كانت موجودات متأخرة تستند على أنيس المنزل ورحه وساكنة والأن إنتقلت بالحركة فاصبحت أجسادً على شاكلة الروبوت لاشي أقصى من فراق الوالد.

صفعني الأستاذ بيدة على ظهري وقال: ما بك تنام دائمًا في حصة المةطالعة، غداً أخبر والدك ليحضر معك الى المدرسة، لقد سرح خيالي مع صوت الأستاذ والهدوء الذي يسكن باحات الفصول، خرجت بعد الحصة أحاول إستجماع القصة محاولاً سردها وأكمالها لكن دون جدوى فقط تبخرت مع الصفعة.