الكسل مشكلة كل كاتب، والكتابة الجيّدة صعبة، ليس سهلًا أن تكتبَ فقرة تأخذُ الجملُ فيها بأسباب بعضها، والذي يزيد الأمر صعوبة، أنّ الكثير من المواضيع تعتمد على البحث والتنقيب، والبحث لو لم يتم بحذر، لكان وصفة للتشتّت، من السهل جدًا أن ياخذك سيل نتائج البحث لتنقّب عن شيء ما أردته من البداية!

روبرت شالديني من المتخصّصين في علم النفس والاقناع والتسويق، وله من الأوسمة ما يطول ذكرها، وحسبُك أن باراك أوباما كان قد اتّخذه مديرًا لحملته الانتخابية في انتخابات 2012!

لشالديني كتاب اسمه Pre-Suasion وهو كتاب يستخدم معنى الاقناع بخُبث، فهو غيّر حروف الاقناع من Per الى Pre ليستعمل معنيين في كتابه، الأوّل الاقناع، والثاني ما يحدث قبل الاقناع (pre) وهذا ما تكلّم عنه كتابه، الخطوات التي تسبق عملية الاقناع، والتي تمهّد الطريق لوقوع الأثر، واتمام التأثير.

ولا أدري كيف وصل الكتاب إلى هنا، لكنّه كان يطرح أثر الأمور غير المنتهية على عقولنا، وكيف هيّ جذّابة لغرابتها وعدم انتهاءها، هذا كان يخدم خطّ سير كتابه، وفي هذه الأثناء طرح قصّة حدثت له مع زميلة عمل، قصّة أصبح من بعدها روبرت يكتب بغزارة، ومن غير توقّف.

يروي أنّ زميلة له كانت تكتب بكثرة ومن دون توقّف، كان يراها تكتب المراجعات والمقالات وفصول الكتب والكتب بخطى ثابتة، ربما تشبه زميلتنا هدى في مجتمع حسوب!

سألها شالديني يوما عن سرّ استمراريتها في الكتابة بهذه الغزارة، فقالت أنّه لم يكن لها سر، وقد ارته مقالًا من صحيفة قديمة، وكان في المقال نصائح من كاتب قديم لزيادة الانتاجية، ولم يكن هناك اسرار في تلك القائمة، فهي تضمّنت نصائح تقليدية تجري على كلّ لسان، ومنها أن تحدّد موعد محدد، وطقوس محدّدة، وتقلّل المشتتات، وأخيرًا تُهدي نفسك هدية بعد تحقيق الهدف، نصائح عادية جدًا وقد جرّبناها ولم نتمسّك بها كثيرا!

وفجأة، يقول شالديني، أنّها رمت درّة اسرارها في سياق الحدث، قالت له أنّها لم تكن تسمح لنفسها أن تنتهي كتابتها أبدًا، بمعنى عندما تشعر أنّها شارفت على الانتهاء، فهي تترك الفقرة مفتوحة، تعرف بالضبط ما تُريد أن تكتب في تلك الفقرة، لكنّها تؤجلها إلى الوقت التالي للكتابة، وبهذا تعود مرّة أخرى بعقل شغوف لاكمال ما بدأ، ولا يستفزّ العقول شيء مثل أمر غير منتهي!

يقول شالديني أنّه طبق نصيحتها منذ ذلك الحين، والباقي سيرة ذاتية لأحد أهمّ المؤثرين في الألفية الجديدة!

بالمناسبة، الكتاب عظيم، لا يفوتنّكم!