هاقد وصل إلى المطار .. وحقيبته تكاد تنفطر من الخيبةْ تمشي محموتاً خلفه..أما جسده فيمشي بفتور من أغتصبهم الرحيل،إلى أن تهالك على أحد مقاعد صالة الإنتظار التي بدأت بدفن رأسه بين رماد ذكرياته.

مرت ساعةٌ ونصف حتى أزاحت تمتمات الموظفه الرتيبة ،البجحة و الباردة كالجليد الرماد من على فتحة أذنيه:

_على السادة الذين سلخ قوت يومهم الواحد كل شبرٍ من جلودهم المملوئه بالأحلام حتى أصبحوا عاريين من كل مقومات الحياه ،متشردين فوق خردة أوطانهم في ظل حربٍ لا تمتُ للنهايه السعيده بأي صلة. أن يتوجهوا إلى صالة المغادرة..

أُكرر...

على المهاجرين إلى المنفى بمحض إرادتهم _رغم حرية بقاءهم على خردة أوطانهم_ الحاملين سراب الأمل المنتحب أبداً للعودة ذات يوم تأشيرة دخولهم،أن يتوجهوا إلى صالة المغادره.!!

فتح عينيه فأسقط من أهدابه بعض الصور والمشاهد ..فرك أنفه ،مسح وجهه ورأسه بكلتا يديه فنفض ماتبقى من رماد الذكريات الذي لا يدري كيف وأين سيباغته مرتاً أخرى .ثم سمع نفسه تردد بينها وبينه محاولتاً فك أحجيه:

عاريين ومتشردين؟!! ...خردة الوطن؟!...

منفى بمحض إرادة ؟!!...تأشيرة الدخول :سراب العودة يوماً ؟؟!!..حربٌ بلا نهاية سعيدة؟؟!!...

عدل من جلسته الشبه مستلقية على المقعد ، ثم ردد مرتاً أخرى الكلمات ذاتها.. لقد فك الأحجية النابية !! فلعنَّ رتابة الموظفه وبجاحتها وبرودها .. ثم صمت قليلاً .. إستوعب مجدداً الحقيقه البحتهْ التي لطالما كان يتجاهلها ويزين بشاعتها بألفاظ أخرى مُنمقةْ تناسب كبريائه وشبه وطنيته.

شعر بدبيبٍ دافئ يسري من خاصرته.. فثبت بصره عليها فإذا بالرحيل قد غرز سكين الحقيقه البحته كاملاً. ثم سريعاً حول بصره إلى حقيبته فإذا بها قد أنفطرت تماماً من الخيبه بعد أن إستوعبة و فككت هي الأخرى تمتمات الموظفة القاسية..

حاول حبس دموعه لكنها غادرت قبله إلى صالة المغادرة بينما تمطت كلماته الغَصةْ في صوته وأنطلقت موبختاً كبريائه وشبه وطنيته، موقعة على هويته الجديدة :

.. أنا أصبحت لاجئ..

نعم..

أنا لاجئ!!