قرأتُ هذا الكتاب لأنه كان على واحدةٍ من قوائم "الكتب الأكثر تأثيراً في التاريخ"، وكنتُ مقتنعاً بمعظم محتوى تلك القائمة فأخذته منها. لن أزعم أني نادمٌ فعلاً على قراءة "كفاحي"، لأنّه أطلعني على منظورٍ فريدٍ للأمور لم أكن لأحصل عليه من مكان آخر، لكن خلاصة القول فيه أنَّه كتابٌ شنيع تتقطَّرُ منه العنصرية، والانحياز، وانعدام الموضوعية في طرح كل المسائل. الكتاب - في جوهره - عبارةٌ عن بروبوغاندا رخيصة، ولا يختلفُ محتواه كثيراً عمَّا يُمكن أن تجده في الجرائد المُوجَّهة لبسطاء العقول من الناس بزمنه. الفصول الأولى القليلة من الكتاب تحتوي نبذةً عن الحياة الشخصية لهتلر، لكن معظمه عبارةٌ عن خطابات سياسية عديمة المضمون والقيمة.

السَّببُ الوحيد الذي يجعلني سعيداً بقراءة هذا الكتاب هو أنَّه ساعدني على أن أفهم نظرة أدولف هتلر للعالم، والأسباب التي دفعته لافتعال الحرب العالمية الثانية، أكبر الحروب وأكثرها دموية في التاريخ. شخصياً، لا أؤمن بأنَّ هتلر كان مجنوناً، بل على العكس، أنا أرى - مع إقراري دون جدالٍ بإجرامية أفعاله - أنَّ هتلر كان شخصاً بالغ الدهاء، فلا يمكن لإنسان ليست له موهبة فذَّة أن يقودَ أمَّة كاملةً بالبراعة التي قاد بها الشعب الألماني لمدة اثني عشر عاماً. لهذا السبب، كان لديَّ اهتمامٌ بأن أفهم نظرة هتلر للحرب، وهذا الكتابُ ساعدني على فهمها تماماً.

يسهب هتلر في تفسير آرائه في الكتاب بشفافية تامَّة. فنصفُ الكتاب، بالأساس، هو شتائم يلقي وبالها على اليهود. بالاختصار، كان لنشئة هتلر دورٌ جوهريّ في تكوين نظرته القاسية عن العالم، فقد ولد أول الأمر في عائلة من طبقة متوسّطة، ولكن والده توفيَّ بعمرٍ مُبكّر، فنزلت حاله إلى أتعس طبقات الفقراء واضطرَّ لأن يشتغل بأحقر المهن دون أن يحصل على ما يؤمّن لقمة عيشه. وكان هتلر في تلك الأثناء يراقب البلاد من حوله، في النمسا مطلع القرن العشرين، فوجد اليهود يحتكرون معظم الأشغال المصرفيَّة والماليَّة والفنيَّة والصحفيَّة، ووجد البرجوازيِّين يعيشُون في رخاءٍ غير عابئين بأصحاب الحال الضيّقة، وهذا شكَّل لديه حقداً عميقاً على هاتين الفئتين.

وقد رأى هتلر في اليهود قلة بالانتماء والشعور الوطني، وهو أمرٌ قد يكونُ صحيحاً بسهولةٍ لأن من المعروف عن اليهود أنَّهم كانوا يعيشون بانعزالٍ عن المجمتعات الأوروبية في تلك الحقبة، ولهذا السبب كوَّن في نفسه كرهاً عميقاً للأمة اليهودية، ولأن اليهود كانوا يتحكمون بالصحافة والأموال ويوجّهونها لصالحهم أكثر من مصلحة البلاد الفعلية، اعتبرهم مصدر الشرّ في بلاده بل وفي العالم أجمع.

وفي هذا الطرح تفسيرٌ واضحٌ ومنطقيّ لكراهية هتلر للشعب اليهودي، ولكن كلَّ حسّ للمنطقية أو العقلانية يختفي منه بعد الفصول الأولى من الكتاب. فهتلر ينجرفُ مع أفكاره بصورة لا تُصدَّق، بحيث يبدأ بإلقاء اللوم في كلّ شر ومأساة ومشكلة على وجه هذا الكوكب على اليهود، الذين يُصوِّرهم وكأنهم شياطين أكثر منهم بشراً. كما أنَّ من الغريب أنَّ هتلر يسهب في كتابه، بحريّة تامَّة، بوصف حزبه بأنَّه حزب عنصريّ، باعتبارها صفةً إيجابية لا ذميمة. فهو يُحقِّر من شأن كل شعوب الأرض ما عدا شعبه (والشعب الإنكليزي)، ويقول بصراحة أنَّ على الأمة الألمانية أن تحكم العالم، ولا يمانع أبداً من أن يلقي بمزاعم غير مُوثَّقة بأن الشعب الألماني كان سبب نهضة كلَّ أمة في أوروبا.

بل هو يذهبُ إلى وصف العديد من شعوب العالم بأسوأ الأوصاف، فهو يقول عن الزنوج - حرفياً - أنهم "أنصاف قردة"، وبأنَّهم غير مؤهَّلين لفعل أيِّ شيء سوى أن يكونوا أمَّة تابعةً لغيرهم. ومن الغريب أن العرب يظلُّون يُصفِّقون لهتلر (بسبب شتائمه لليهود لا أكثر) بعد قراءة هذا الكتاب، لأنَّه يصفُ المصريِّين، في أحد الفصول الأخيرة، بأنَّهم شعبٌ دنيٌّ لا يستحقّ التعامل معه، رداً على مفاوضاتٍ من سياسيِّين مصريِّين للتحالف مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى.

لا أدري حقيقةً كيف لشخصٍ أن يحترم هتلر أو أفعاله بعد قراءة الكلمات المشينة التي تملأ هذا الكتاب. لا أعتقد أن ثمة مشكلة في القراءة بحدّ ذاتها، فلو كنتَ شخصاً متزناً فإنَّ هذا الكتاب سيساعدك على فهم هتلر أكثر، وعلى بغضه أكثر. وعدا عن كلّ شيء، فهو سيروي لك تجربة واحدٍ من أكثر الناس تأثيراً في تاريخ البشرية، حتى ولو لم يكن تأثيره جيداً أبداً. مع ذلك، الكتابُ مليءٌ بالكلام الخطابي الطويل والممل، والآراء التافهة، ممَّا يجعلُ تقديري له قليلاً جداً، كما أنني كنتُ آمل أن يُعرِّفني على حياة هتلر أكثر، لكنه لم يكن مفيداً بهذا الخصوص.