​يقول الدكتور مصطفى محمود: "نحن قادمون على عصر القرود؛ فبرغم هذا الكم من التكنولوجيا الذي وصل إليه الإنسان، أصبحنا أمام إنسان أقل رحمة، ومودة، وعطفًا، وشهامة، ومروءة، وأقل صفاء من الإنسان المتخلف". فما الذي حدث للبشرية؟ وما هي العلاقة بين التقدم التقني والتأخر الإنساني؟

​لعلنا في العصر الحالي قد شهدنا تقدمًا تكنولوجيًا ومعلوماتيًا لم يخطر ببال أحد في القرون الماضية. فالنجاح الذي حققته الإنسانية على الصعيد العلمي لا يُنكر، ولكن في المقابل، نلاحظ تدهور المنظومة القيمية لهذا العالم، وكأنه قد فقد بوصلته. فمع هذا التقدم، نجد الإنسان أقل رحمة، وأكثر قدرة على تبرير أفعاله وتطويع العلم والقيم لخدمة دسائسه. لقد نتج عن هذا التقدم أسلحة أكثر فتكًا وقدرة على الإبادة بضغطة زر، بينما لم يعد للنفس الإنسانية وزن أو قيمة، فأصبحت مجرد خبر عابر في النشرة، أو رقم لا يُدرك معناه، وهو يمثل انهيار أحلام وحياة كاملة وكأنها لم تكن.

​لا يمكننا هذه المرة إلقاء التهم على النظام الرأسمالي وحده، فقد أصبحت هناك حالة عامة من السلبية تجاه القضايا الإنسانية والأخلاقية على المستوى الشخصي للأفراد. بات إقناع شخص بضرورة رفض سلوك جائر والتعاطف مع الضحية ومساعدتها مهمة مستعصية. لذلك، تجد في مجتمعاتنا فكرة لوم الضحية نهجًا للتهرب من لوم الجاني الفعلي، وكذلك لتخدير الضمائر.