كان بيليكوف رجلًا أربعينيًا مُعلبًا بامتياز! فكل شيء في حياته يضعه بعلبه ليختبئ بها، فهو لا يخرج بأي وقت إلا بخف فوق الحذاء وبشمسية ونظارة سوداء وقطن بأذنيه وبمعطف طويل يتدارى خلف ياقته حتى ولو كان الطقس جيدًا! وشمسيته يضعها في كيس وساعته في كيس وعندما ينام يغطي كل جسده حتى في الطقس الحار، فكل ما يفهمه هو اللوائح ويخشى بشدة إذا فعل أحدهم شيئًا أن يعرف المدير أو أصحاب السلطة، فبيليكوف يعيش حياته في علبة من العادات والتقاليد البالية ويقدس السلطة والقوانين والعيب، وكانت مصيبة بالنسبة له أن رأي امرأة تقود دراجة! ومع ذلك كان أهل المدينة يعملون حسابًا له ولتزمته وأفكاره الغريبة! ولا أدري هل العيب به أم بهم لخشيته؟

أعتقد أن أمثال بيليكوف مكانهم المناسب هو المتاحف فهناك سيعيشون أفضل أوقاتهم وأسعد حياة بين أطلال الماضي السحيق والتماثيل التي لن تستطيع التأفف من أفعالهم الخانقة، فهم لا يفرضون على أنفسهم العزلة والأفكار الرجعية فقط ولكنهم يريدون أيضًا فرضها على من حولهم ويريدون منهم الالتزام بها والعيش وفقًا لما يناسبهم هم لا ما يناسب الشخص نفسه، فبالنسبة لهم رؤيتهم للعالم هي الصحيحة وما دونها خطأ.

في الحقيقة لدي مشاعر مختلطة تجاه الشخصيات المتزمتة هذه، فأنا أشعر بالغضب لرغبتهم في السيطرة على الناس وأن نحيا وفقًا لاعتقاداتهم، لكن في نفس الوقت أشعر بالشفقة عليهم فهم بالفعل يعيشون داخل عُلبة صغيرة ويحرمون أنفسهم من كل ما هو جميل وممتع في الحياة بسبب أفكار بالية في رؤوسهم فقط، كما أنهم يشعرون بالعزلة والخوف والإحراج طوال الوقت من أبسط الأشياء، فهل تدرون كيف مات بيليكوف؟ من الإحراج! لأن امرأة ضحكت بعدما وقع على السلم فذهب لبيته مهمومًا ولزم فراشه عدة أيام ومات!