ما يهمني في تاريخ العقائد، ليس بمقدور أي وثيقة أن تؤرخ له أو تكشفه، يهمني نكتار شخصية النبي عيسى ، لحظات انفراده بنفسه، فالبرغم من كوننا جنس من الثدييات تكذب على نفسها لدرجة تصديق ما خلقته من أوهام، إلا أن انخطافات الحقيقة تباغثنا أحيانا.

"ماذا لو لم أصلب وأحببت وشربت النبيذ وسافرت وزرعت أشجارا وليغرق العالم في قبضة أحبار اليهود؟". ذلك هو "الإغواء الأخير للمسيح" الذي يهمني، "ما هذه الورطة التي وضعت نفسي فيها لأجل بعضة بلهاء سرعان ما هربوا وباعوني لأجل بضع دراهم، أما كان لي في هذا المساء أن أستلقي بين ذراع ماريا العاهرة عوض الألم المخدر الذي ينبعث من ثقوب كفي وقدمي".

"لماذا جئت لهذه المعركة بعدد قليل من الجند، لابد أني سأموت اليوم، لا أرى أي ملائكة قرب الجبل، أكانت مجرد تهيؤات ذهانية؟ ماذا لو مت في صراع قادة العرب على السلطة والمال"، "ما الذي يفعله هؤلاء الغاضبون خارج بيتي، رجل من كل قبيلة، سيتفرق دمي بين القبائل، طعنة من كل جانب، ثم ينساني الجميع كأني لم أكن".

"لماذا كل هذا الألم، جسدي يتساقط قطعا صغيرة، أكان لابد لي من أن أكون مثالا عن الصبر، لماذا لا أكون مثالا عن اللذة والفسق، ما الذي فاز به الأنبياء الصابرون وما الذي فقده الشعراء الفاسقون؟"

"وحدي الآن في هذا الجبل، أسير منذ أيام جائعا حافيا، تركت خلفي أخي وكل من أعرف، البرد يشقق قدمي، فمي جاف من العطش وضلوع صدري بارزة، لا أسمع كلمات الله، لم يكلمني أحد، ليس لدي سوى عصاي كأنها تهزأ بي، ثم ماذا لو أن ما أسمعه استيهامات داخل عقلي بسبب المعاناة وعذاب صعود الجبل وأن جنوني هو من يحدثني".

إن التاريخ ليس مجرد أدوار يملؤها من اتفق، ليس فراغات تمتلئ بالأشخاص، بل هو أيضا أمزجة وأهواء وشكوك، وأهم ما في الإنسان، نكتاره المركز ليس ما يفعله أو يقوله، بل ما يكبته من شكوك وتوهمات وأحكام، لو استطاع البشر تحريرها، لأعيد بناء عالم جديد من الجنون والحقيقة، قد يكون فوضويا، لكنه لن يكون مليئا بالزيف والقداسة البلهاء.