"ما الذي تستطيع الفلسفة تقديمه من إجابات على الأسئلة الدينية للمسلم المعاصر؟"
حاول الفيلسوف فؤاد زكريا تقديم إجابة على هذا السؤال. فقد كان يرى الحياة الدينية للمسلم المعاصر يغلب عليها الخرافة والتعصب. واثناء معاركة الفكرية من اجل تعليم التفكير العلمي للانسان العادي فوجيء بحالة اليقين المطلق والاجوبة النهائية التي يطلقها المسلمون وخاصة الشباب تجاه القضايا الدينية والفكرية.
لهذا طرح شعار "قليل من الشك يصلح العقول"، طالبا من الشباب بالذات تطبيق هذا الشعار في حياتهم العقلية.
................................................
كان زكريا يرى ان عصور "اليقين" كانت عصور الانحطاط، بينما كانت عصور الشك والتساؤل هي عصور التقدم والنهضة، وان اليقين يجب أن يأتي في النهاية بعد رحلة طويلة مع التفكير والنقد و"الشك".اما اليقين التي ياتي في البداية فهوالخطر الأكبر على العقول.
وقد طرح أربع مساهمات فلسفية يستطيع المسلم العادي استخدامها لكي يحيا حياة دينية بعيدة عن الخرافة والتعصب:
- فالفكر الفلسفي يستطيع أن يسلط أضواء على مشكلة العلاقة بين "ألوهية التشريع وبشرية القائمين على تطبيقه"!
فمهما كانت النصوص إلهية إلا أنها لا تطبق إلا من خلال التفسير البشري، والتفسير البشري لا يمكن إلا أن يكون ذاتيا ومنحازا.ويمكن للفلسفة أن تقدم إجابات حول سبب اختلاف الحركات الدينية وخروجها بتفسيرات مختلفة ومتناقضة رغم ان كلا منها تمثيلها للإسلام الحقيقي.
إذا بدا الشباب المسلم يفكر بهذه الطريقة فأننا سنكسب انجازا هاما يتمثل في عدم النظر إلى رأي رجل الدين على انه يمثل وجهة نظر الدين الحقيقية. إن الفلسفة تستطيع أن تنهي حالة الخلط بين الدين وبين "الفكر الديني". هذا الخلط الذي لا يقع فيه الشباب المسلم فقط ولكن رجال الدين أيضا دون وعي في أحيان كثيرة. وهذا الخلط هو الذي يجعل الشباب أداة طيعة في أحيان كثيرة لتنفيذ اغراض سياسية ضيقة.
................................................
- النقطة الثانية التي يمكن للفكر الفلسفي ان يقدم للفكر الديني مساعدات قيمة هي قضية "صلاحية النصوص لكل زمان ومكان". فقد ادت ظاهرة الصحوة الاسلامية الى توسيع نطاق النصوص الدينية لكي تتدخل في كل جوانب الحياة المعاصرة حتى الطب والعلوم.
ومشكلة الادعاء بصلاحية النصوص لكل زمان ومكان اننا نعيش في عصر سريع التغير في كل المجالات. وكلما مشى المجتمع في طريق التقدم كلما ابتعدنا اكثر عن العصر الذي ظهرت فيه النصوص واصبح تطبيقها الان يطرح مشكلات وتعقيدات اكبر.
ولهذا يطلب زكريا من العقل العربي الدراسة الواعية لتجربة المسيحية في العصور الوسطى والنتائج التي ترتبت على مطالبة الكنيسة بتدخل النصوص في كل مجالات الحياة وصلاحيتها لكل زمان ومكان! فالكنيسة تركت التدخل في تفاصيل الحياة الدنيا وتركت الحياة الدنيا لمتخصصيها ولكن بعد معارك ودماء وثمن انساني مؤثر.
فهل نستطيع تجنب المعارك والدماء لو فكر رجال الدين المسلمون والشباب المتحمسون بدراسة تجربة المسيحية وهي تجربة متشابهة جدا مع التجربة الحالية للاسلام مع القضايا المعاصرة!!
................................................
- القضية الثالثة التي يمكن ان تقدم فيها الفلسفة ايضاحات ذكية لبعض القضايا الدينية للانسان العربي المعاصر هي قضية "الصراع بين الشكل والمضمون في العقيدة الدينية". فهل مطلوب منا ان ناخذ من النص الديني توجيهاته العامه حول العدالة والحقوق والحياة الفاضلة، ام ان الاحكام الجزئية المتعلقة بالحجاب واللحية والزواج والبيع والشراء تدخل ضمن ما يجب ان نأخذه من توجيهات دينية؟
فالجماعات الدينية تركز على قضية الحجاب اكثر من تركيزها على قضية الفساد،وفي اليمن مثلا لم يحرك رجال الدين ساكنا تجاه حرب صعده او الحراك الجنوبي او الفساد ونهب الاراضي، ولكنهم كانوا يتحولون الى مقاتلين شرسين اذا عقدت فنانة حفلة غنائية او ظهرت مذيعة في التلفزيون بدون حجاب او ارادت الدولة اصدار قانون يمنع زواج الفتاة في سن ثمان سنوات.
يرى فؤاد زكريا ان الفلسفة تستطيع ان تعيد التوازن الى الخطاب الديني فينظر الى جميع ابعاد الانسان ويعطي كل بعد منها الاهمية التي يستحقها دون مبالغة او تضخيم.
................................................
"قليل من الشك يصلح العقول" هو الشعار الذي رفعه فؤاد زكريا في بداية ثمانينات القرن الماضي ولا زالت أصداؤه تدوي حتى الآن ، لكن كم عدد الشباب الذي عالجوا عقولهم بالشك في البديهيات الدينية والفكرية والسياسية؟ و متى يبدأ علماء الدين والشباب المسلم في تطبيق دعوة فيلسوف الحياة اليومية لإصلاح العقول بالشك والتساؤل بدلا من البقاء في معتزلات اليقين.
................................................
في اطار دعوتي للقراءة انصح بالاطلاع على اهم اعمال الفيلسوف فؤاد زكريا وكلها متاحة على الانترنت وخاصة:
التفكير العلمي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1978
خطاب إلى العقل العربي، سلسلة كتاب مجلة العربي، 1978
الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة، 1986
الصحوة الإسلامية في ميزان العقل، 1987
الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة ، القاهرة دار الفكر 1986
نقل من حائط الصحفي حسين الوادعي (Hussein Alwaday)