"لم أكن ملحدًا… كنت فقط أبحث عن الله بطريقتي." بهذه الكلمات الصادقة يبدأ الدكتور مصطفى محمود رحلته الفكرية الفريدة. لم يكن تمرده على الدين، بل على القوالب الجاهزة، على الإجابات المحفوظة التي لا تُشبع عقلًا يرفض السكون. قضى سنوات بين الكتب والتجارب، يبحث عن خيطٍ واحدٍ يمسك به في هذا الكون الغامض. ومع كل جواب، كانت تنفتح أمامه أبواب جديدة من الأسئلة.

في زمنٍ أصبحت فيه كلمة "العلم" بمثابة الإله الجديد، كان مصطفى محمود غارقًا في الفيزياء، الأحياء، الفلك، يتأمل الجسد والذرة والمجرة، محاولًا أن يفهم: هل يمكن تفسير الوجود بالصدفة وحدها؟ كيف لهذا النظام الدقيق أن يكون بلا عقل مهيمن؟ ظن يومًا أن الله هو "الطاقة"، لكنه أدرك لاحقًا أن هذا التصور لا يليق بعظمة الخالق.

يتساءل: من خلق الله؟ سؤال يبدو بسيطًا، لكنه كان حاسمًا في رحلته. ومع الوقت، أدرك أن السؤال نفسه باطل؛ لأنه يفترض أن الله مخلوق، بينما هو واجب الوجود، لا بداية له. هنا بدأ يميز بين "نصف العلم" الذي يُضل، و"العلم الكامل" الذي يُقرّب الإنسان من ربه.

الروح، الجسد، والعدل... يبحر مصطفى محمود في أسئلة الذات: هل الإنسان مجرد لحم وعظم؟ أم أن هناك شيئًا أسمى، هو الروح؟ كيف نحب، ونضحّي، ونسعى وراء العدل والحرية؟ من أين تأتي هذه القيم؟ ولماذا نشعر بهذا الظمأ الأخلاقي في عالمٍ مليء بالظلم؟ ثم يسأل: إذا كان الله عادلًا، فلماذا الألم؟ فيجيب: لأن الله أعطانا الحرية، والخطأ فينا لا فيه. الدنيا ليست دار جزاء، بل دار اختبار.

في لحظة خلوة… يسأل نفسه: هل أنا صادق؟ ويكتشف أن الصدق مع النفس نادر، نادر جدًا. وحدها الخلوة، والعلم الخالي من الهوى، يمكن أن تقودنا إلى الحق. وفي تلك اللحظات المجرّدة، بدأ قلبه يرى ما لا تراه العيون.

ويصل إلى خلاصة مذهلة: أن الإيمان ليس ضد العلم، بل هو امتداد له. وأن الدين ليس تهربًا من التفكير، بل قمة من قممه. أن الله لم يخلقنا عبثًا، بل لنعرفه ونحبه، وأن الحياة، بكل ما فيها من ألم وتساؤلات، ليست النهاية… بل بداية لرحلة أعظم.