نعيش في رواية "خريف نيويورك الأخير" مع شخصياتها قصصا وآلاما ربما نتجنب التركيز فيها في الواقع لكونها نقطة مؤثرة وحساسة وهي الهجرة، ربما بسبب ارتباطها بكثير من القصص المؤلمة من جهة وبالأحلام المرجُوّة من جهة أخرى، يحكي لي أحد اصدقائي عن عمّه المغترب منذ أكثر من 20سنة أنّه كثيرا ما ينصحه بالجدّ والاجتهاد في دراسته لتحقيق حياة مستقرة قرب عائلته وأحبابه وفي وطنه دون اللّجوء للهجرة، وأنه برغم أنه قد وصل لوضع مالي ممتاز، غير أنّه فقد الكثير من معاني الحياة التي كان يعيش لأجلها أساسا كضريبة مدفوعة لهذا النجاح المالي، عالق بين وطن بدأت ذكريات طفولته فيه تتلاشى بسبب الاغتراب، و وطن آخر لم يجد فيه هويّة تتقبله ويتقبلها، سنوات لم يصنع فيها من الذكريات مع والديه وإخوته إلا لحظات عناق الشوق كل عدّة سنوات في زيارة تدوم أياما مؤقتة..وأصدقائه الذين طوى الزمن صفحتهم، حتى جدّه الذي لم يتمكن حتى من حضور جنازته أو رؤيته قبل وفاته!

بينما يرى البعض في الهجرة صفقة لشراء آمال شخصية أنانية على أطلال ذكريات وأحباب وعلاقات أسرية وغالبا ماتنتهي هذه الرحلة بندم وحسرة وآلام غامضة، يرى آخرون أنهم على استعداد لبيع حياتهم القديمة بأكملها مقابل مستقبل مشرق بسبب فقدهم الأمل قي أوطانهم أو تجرّعهم مرارة الفقر والتهميش والظلم في أوطانهم.

​ ​ فكيف تنظرون للهجرة، حل أخير لمن استنفذ فرصه في وطنه، أو صفقة خاسرة تنتهي بالندم؟