لو كان الكتاب بالانجليزية على سبيل المثال، وخاصة الروايات والقصص لأنها وعلى خلاف الكتب الغير أدبية التي يمكن اختصارها أو يكون الهدف من قراءتها هو الحصول على قدر معين ومتماسك من المعلومات حول موضوع ما، فالنصوص الأدبية على عكس من ذلك تقدم تجربة شعورية في المقام الأول، وأنت تقرأ القصة بلغتها الأصلية مستمتعا بها، هل تعيد قراءتها مرة أخرى إذا وجدتها متاحة بالعربية؟.
إذا قرأت كتاب بلغته الأصلية، هل تعيد قراءته إذا توفر لاحقا بلغتك الأصلية؟
نعم، فالكتب الأدبية مختلفة تماما عند قراءتها بلغة أخرى. صراحة الترجمة في المجال الأدبي يجب أن تعد عملا أدبيا جديدا من دقتها وصعوبتها. الذوق اللغوي، واختيار الكلمة المناسبة التي تعبر عن هذا الشعور بالذات. أذكر أني عندما قرأت نصا بالألمانية كان يصف حالة الشخصية النفسية، وإحساسه الدائم أنه محاصر داخل نفسه. وقاموا بترجمة ذلك بالانجليزية أنه "cannot find a way out".
أحسست أن الترجمة لم تعبر على الإطلاق عما كانت الشخصية تبحث عنه، "طريق تخرج منه" ليس هو حتما ما ظل يؤرقه الأيام والليالي. وقرأت الترجمة العربية عندما نزلت. وكانت غاية في الحسن، والجمال. كان يبحث عن "مخرج" من ضيق نفسه، ومن حاله، ومما وصل إليه. مع كل ما تحمله كلمة مخرج من معانٍ في العربية: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا". كانت الكلمة الواصفة لحاله بالضبط، والأمر الذي ما إن وجده آخر الرواية، اجتاحه شعور بالراحة، وكأنه أخذ أول نفس من الهواء بعدما كان يغرق.
ذكرتني بالشعر الإنجليزي عندما يتم ترجمته ترجمة أدبية غير حرفية، شتّان بين الثراء اللغوي والمعرفي في النسخة العربية، والبساطة والسطحية في النسخة الإنجليزية، هذه اللغة السخية لا يمكن مجاراتها!
هذا المثال الذي أعنيه لدكتور قسم لغة عربية طلب من طلابه ترجمة الأبيات الإنجليزية التالية:
Maybe the sky die
Maybe the rivers dry
Maybe the mountains fly
Maybe you forget me
But never shall I
وهذه كانت النتيجة:
فلربما تفنى السما .. و تجف أنهاري كما
أن الجبال الراسية .. قد تبلغن الأنجما
مهما نسيت محبتي .. لن أنسى حبك دائما
لا، لم أقرأ من قبل كتابًا باللغة الإنجليزية، ومن ثم أعدت قراءته باللغة العربية.
السبب أنني أشعر أنني أقرأ كتابًا مختلفًا، خاصةً إذا كانت رواية.
البلاغة والموضوعية والأصالة في الكتاب الأصلي تختلف بشكل كبير في الترجمة، مما يؤثر على تجربة القراءة بشكل عام. حتى بالنسبة للأعمال الفنية، لا أعيد مشاهدة فيلمًا رأيته باللغة الإنجليزية مترجمًا أبدًا، لأن التفاصيل اللغوية والثقافية يمكن أن تفقد بعضها في عملية الترجمة.
في الحقيقة لست ممن يفضلون القراءة بغير العربية، ولكن أعتقد عمومًا أن الكاتب يكون أرقى تعبيرًا بلغته، وحين يتم ترجمة كتاباته قد تفقد بعضًا من معانيها وعمقها أثناء عملية الترجمة، وطبعًا ذلك يعتمد أيضًا على المترجم ومهارته ومدى تعمقه في مفردات العربية وتعابيها، واللغة المترجم منها أيضًأ.
وعلى الرغم من ذلك كله إلا أنني ما زلت أؤمن أن العربية أرقى وأرق تعبيرًا من كل اللغات والمترجم الماهر هو الذي يمتلك القدرة على تحويل رواية بلغة أخرى إلى تحفة فنية شعورية بالعربية التي هي الآداة المثلة لذلك، هي اللوحة والألوان.
أقرأ بعض النصوص المقتبسة والمترجمة إلى العربية من أدب المشرق، كالأدب الياباني والروسي، وتكون قمة في التعبير والإحساس والدقة، لدرجة أنني لا أتخيل قرائتها بلغتها الأصلية ولا أود ذلك!
التعليقات