اصطحب مصطفى خالد إلى المزرعة فلم يمانع فى ظلمته تلك؛ فالظلام محيط به من كل جهة وكل من يمد له يده يسير خلفه ظنا فيه النجاة، فى الفترة الماضية سار خلف الأطباء على أمل الشفاء، فما رحموا ظلمته وما رحموا ضعفه، اتفقوا جميعا على أن يحجزوه داخل ظلمته تلك بأسوار من حديد لا إنفكاك لها، فلا يخجل أحدهم من أن يقول له: عودة بصرك أمر مستحيل، عجبا لهم! وهل الشفاء بأمرهم؟! وهل الأمل كان فيهم؟! لقد نسوا أنهم أسباب فى يد مسبب الأسباب؛ إلا مصطفى كان هو شعاع النور لخالد فوجد نفسه يسير خلفه، شئ ما يجعله يطمئن له، جلس بجواره فى السيارة ومازال على عهده ألا ينطق بكلمة، صامتا لا يعلم حياته من موته إلا بحركته، ساخطا على كل شئ لكن ليس بيده أى شئ جراء ما يحدث له، ظل مصطفى يحدثه، إنه طبيب بل إن شئت قل إنسان يدرك طبيعة النفس عندما تصطدم بأول إبتلاء وهى عارية من الإيمان، لا يحتاج خالد إلى عودة بصره بقدر ما يحتاج إلى أن يقوى إيمانه من جديد، وإن كان قد إبتلى فقد منح الحقيقة فى أشياء كان يظن أنها سعادته، فإذا بها عند أول ابتلاء، تخلت عنه وتركته وكأنها لم تكن، أخذ يذكره بذكرياته معه، لكنه لم ينطق بكلمة طوال الرحلة.

#رواية_البيوت_الآمنة

#منى_مهير