ثمة من يخسر كل ما يملكه في هذه الدنيا فلم يبق لهم إلا طريق التضحية ليسلكوه عسى أن تقدم وفاتهم للناس أكثر مما قدمت حياتهم. وفي هذا السياق، كنت قد قرأت رواية للكاتب الفرنسي جي دي كار تحت تدعى l'impure أو الفتاة غير الطاهرة. وهي تروي قصة شونتال، فتاة يتيمة ومتخلى عنها، كان جمالها هو الوسيلة الوحيدة لكسب قوت يومها وكانت تعمل كعارضة أزياء. وفي إحدى تلك العروض التي تقدمها لدى إحدى دور الأزياء المشهورة، التقت برجل غني طاعن في السن، وكان متزوجا، وعملت على إغرائه بجميع الطرق إلى أن أصبحت عشيقته. ومع مرور الأيام رزقت بطفل، ولكنها أجبرت على الابتعاد عنه لتجنب إثارة الشكوك. كما أنها أصبحت فيما بعد من أغنى نساء باريس وأكثرهن رقيا، بعد أن استفادت من ثروة السيد الذي كانت ترافقه.

ولكن الرواية الحقيقية تبدأ عندما تكتشف شونتال أنها مصابة بالجدام. وهنا يصور الكاتب حقيقة أن المال لن يصنع السعادة لهذه الشابة. فرغم أنها تتمتع بالمال والجمال والحضور وكل أنواع الكماليات التي تتمتع بها السيدة الباريسية، إلا أنها الآن مصابة بمرض يشوه كل جميل، ويقتل كل حي.

قررت شونتال السفر إلى جزيرة في المحيط الهادي تدعى ماكاجوي، والتي يتعالج بها مرضى الجدام أوكما وصفتها شونتال جزيرة الحمى L'île de fièvre. على تلك الجزيرة لن ترى إلا الوجوه المشوهة التي لعب الجدام بتفاصيلها، لذلك فمجرد العيش هنالك شكل عبء بالنسبة لها ففضلت العزلة .

قضت تلك السنوات على أحر من الجمر بغية العودة إلى حياتها الطبيعية، إلى طفلها وحبيبها الجديد الذي التقت به حديثا خلال رحلتها. وكم هو قوي ذلك الأمل الذي يأتيك بينما أنت في غياهب اليأس والتعاسة! ولكنه قد يحطمك إذا ما تحطم. وهذا ما حدث مع بطلتنا، فبعد عودتها من ذلك الجحيم، اكتشفت أن زوجة السيد العجوز قد تبنت الطفل الذي رفض رؤية أمه. وكذلك روبيرت -حبيبها المزعوم- رفض التعامل معها عندما علم بأنها كانت مصابة بذلك المرض الخبيث، فكانت تلك هي نهاية شونتال العاطفية.

ولكن بعد خسارتها لكل شيء، قررت أن تعود للجزيرة لتخدم المرضى الآخرين، متجاهلة احتمال تعرضها للإصابة من جديد ومضحية بشبابها وجمالها وعمرها.

فلو كنت مكان شونتال هل كنت لتقوم بهذه التضحية المميتة؟ وهل كنت لتفقد الأمل في الحياة بسبب خذلان أحدهم؟ هل ستفقد الامل في استعادة ابنك؟