يقول مصطفى محمود في كتابه الشيطان يحكم في فصل بعنوان الملل: النقود تثيرك طالما هي في جيب غيرك فإذا دخلت جيبك فقدت جاذبيتها. الشهادة حلمك وغايتك وأملك حتى تحصل عليها فتنسى أمرها تماما. الوظيفة هدف براق حتى تنالها فتتحول إلى عبء ثقيل. ثم يتساءل الكاتب: لماذا كل هذا الملل؟! ثم يجيب: لأننا في عصر إفلاس القيم.

شبيه بتلك الفكرة قصيدة للعقاد بعنوان: القدر يشـــــــــــــــــــــكو

فهو يقول منها:

صغيرٌ يطلبُ الكبرا وشيخٌ ود لو صغرا

وخال ٍ يشتهى عملاً وذو عملٍ به ضجرا

ورب المال في تعبٍ وفى تعبٍ من افتقرا

ويظل العقاد يعدد أمنيات بني البشر ومطالبهم التي لا تنتهي ثم مللهم منها بعد فترة وتمني غيرها حتى يتساءل:

فهل حاروا مع الأقدار أو هم حيروا القدرا؟!

والحقيقة أنهم لم يحتاروا مع القدر ولم يحيروه؛ فما كان الإنسان إنسان إلا بأنه دائماً أبداً يتطلع إلى المزيد ولا يقنع بما في يده! هل رأيتم حيواناً يشتهي سيارة ثم يملها ويشتهي أحدث منها؟!! وهل لو قنع الإنسان يوماً بما امتلك كنا رأيناه شاد ما شاده على مر القرون من حضارات وبما أبدع من علوم وبما اخترع من مخترعات؟! فلا مصطفى محمود أصاب في التشخيص ولا العقاد يسأل السؤال الصواب؟

وهل آدم قنع يوماً بجميع المتاح من شجر الخلد ولم يطلب المزيد؟! لم يقنع وراح يأكل من الشجرة المحرمة فكانت فاتحة خير فبها عرف الشر من الخير! حتى حب الامتلاك والاكتناز باعثه المكاثرة والمباهاة وأراهما خصلتين محمودتين لأنهما يدفعان الإنسان إلى المزيد من العمل والمزيد من التحدي واستحثاث الهمم. وهل يطلب مصطفى محمود والعقاد الناس من الناس ألا يتضجروا أو يشعروا بالملل؟! لو كان ما طلبوا إذن لتفكك نسيج الحياة ولما صارت عواطف أو مشاعر ولما صارت قصص وحكايات ولما كانت دموع لعدم تحقيق الرغبات وضحكات ورقص وأغاني لتحقيقها ولما كانت أقلام تكتب و صحف تقرأ وكتب تكتب! وسيظل الإنسان مطبوع على طلب المزيد حتى انقضاء الدنيا.

والآن أيها الأصدقاء: هل تؤيدون ما ذهب إليه الكاتبان أم ما ذهبت إليه أنا؟