أحياناً أتعجب من ذلك الوضع الحياتي والمعيشي الذي نطلق عليه "نجاح"، ذاك الوضع الذي يمكننا اختصاره في وظيفة جيدة تدر علينا دخلاً مناسباً، يكفي لاحتياجاتنا الرئيسية وبعض الرفاهيات، بالإضافة طبعاً لتعليم عالٍ يعطي رونقاً لبطاقة الهوية ويُعلي صوت صاحبه في إجتماع عائلي مثلاً ويعطيه ثقلاً ويزيد من فرص عيشه لحياة كريمة، إنه النجاح الذي نسعى إليه حتماً. ففي الوقت الذي تقرأ فيه تلك الكلمات، إما أن تكون تسعى إلى ما ذكرته أو حققته كله أو بعضه، ولكن إن وصلت إلى تلك المرحلة مما تظنه (نجاحاً) خبِّرني:

هل حقاً تشعر الآن بالنجاح أم تشعر أن ثمة شئ ناقص؟

في الواقع..إن الوصول إلى تلك المرحلة من النجاح المادي وبالمناسبة (الضروري) للعيش في المجتمع بأمان نفسي ومادي ليست بالسهلة أبداً وتتطلب مجهودات جبارة حتى تظفر بها، ولكنها بعد موتك لن تعني أي شئ.. لن يذكر أحد شهادتك أو الزوجة التي تنتمي لعائلة مشهورة، أو سيارتك أو وظيفتك، كل هذا حتى إن ذكر فسيذكر بعدم اكتراث..وهذا ببساطة لأنك صرت في عين العالم (ماضي)..

قد تتساءل الآن، وما هو النجاح الحقيقي إذن، إذا لم يكن في كل ما ذكرته؟

دعني أعرض عليك ما قاله الراحل بها طاهر في روايته (واحة الغروب) حيث قال:

"لم أفهم معنى ذلك الموت، لا أفهم معنى للموت، لكن ما دام محتماً فلنفعل شيئاً يبرر حياتنا، فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها."

النجاح الحقيقي يا عزيزي يكمن في تلك (البصمة) والتي لأجلها يترك العالِم وظيفة مرموقة لينشغل باختراعٍ يفيد البشرية، ويترك الأديب حياة الرفاهية ليقبع في عزلة طويلة حتى يُخرج للبشرية كتاباً، إنه الأثر الذي يعطِ صاحبه الخلود بعد الموت، ويعطِ لحياته المعنى قبله.

قد أعجبني بهاء طاهر حين وصف الأثر الذي نصنعه قبل موتنا بأنه (مبرر للحياة) ..

والآن عزيزي القارئ لدي سؤال؛ ما هو النجاح (الدنيوي) بالنسبة لك؟ وهل ينبغي أن تكون ذا أثر حتى يكون لحياتك قيمة ومعنى؟