ترى..كيف تكون تجربتك حين تذهب لمدينة ما لا تعرفها لأول مرة؟ لا شك أنك ستكون متوتراً بعض الشيء، وقد تنسى إحضار معك بعض المستلزمات الضرورية، وكذلك فإنه من الوارد جداً أن تتوه، ولكن إن ذهبت لنفس المدينة مرة أخرى فلا شك أنها ستكون مختلفة عن المرة التي سبقتها..

إن الحياة نفس الشيء تماماً، معظمها سفاري لأول مرة نشد الرحال إليها وتجارباً لأول مرة نخوضها، بداية من تخبطك في أول يوم دراسي لك في المدرسة الابتدائية ومروراً بتجربة ذهابك لمدرسة جديدة في المرحلة الإعدادية ثم الثانوية وأكاد أجزم أن نفس التيه الذي كنت عليه في مرحلتك الابتدائية واجهته في الجامعة وأنت تنخرط في هذا المجتمع العملاق، وكذلك فلن يتركك التيه وأنت تقدم على أول وظيفة لك أو تبدأ في أول عمل لك.

إن الحياة سلسلة من التجارب الأولى التي نعيشها بحس المغامرة، ولأنها ضرورية فلا يوجد خيار الانسحاب مهما كنا نتسربل في أغطية الخجل والانطواء، مع الوقت ومزاولة الشيء أكثر من مرة، نتقنه، بل نبدع فيه، ولكن إن تأملنا في حياتنا سنجد أن معظم ما فعلناه مرة لم يتكرر، والعديد من التجارب تبقى في عداد الذكريات كتجارب ناقصة ملتحفة بتيه المحاولة الأولى وسذاجتها، والدليل أن ماضينا ملئ بالتجارب المليئة بالأخطاء والتي نود الرجوع إلى بعضها في لتقويمها بخبرة الحاضر.

في روايته (كائن لا تحتمل خفته) يقول ميلان كونديرا:

"لا توجد أية وسيلة لنتحقق أي قرار هو الصحيح، لأنه لا سبيل لأية مقارنة، كل شيء نعيشه دفعة واحدة، مرةً أولى ودون تحضير، مثل ممثل يظهر على الخشبة دون أي تمرين سابق، ولكن ما الذي يمكن أن تساويه الحياة إذا كان التمرين الأول الحياة نفسها؟ هذا ما يجعل الحياة شبيهة دائماً بالخطوط الأولى لعمل فني، ولكن حتى كلمة “خطوط أولى” لا تفي بالغرض، فهي تبقى دائماً مسودة لشيء ما، رسماً أولياً للوحة ما، أما الخطوط الأولى التي هي حياتنا فهي خطوط للاشئ ورسم دون لوحة."

تحدث كونديرا عن فكرة الحياة كتجربة أولى، وعن أنها تؤدي إلى تجربة كاملة لا تخلوا من السذاجة، وأعجبني وصفه الدقيق بأنها مثل (المسودة الأولى للرواية) حيث تلك المسودة لا بد من التعديل عليها كثيراً حتى تصبح رواية مكتملة الأركان.

وهنا عزيزي القارئ دعني أسألك: كيف تتعامل مع التجارب الأولى لك في حياتك؟ وكيف كان أول يوم لك في الجامعة أو (العمل)؟