في الصف الثالث الثانوي تحديداً كان لي صديق يمتلك كلباً، يقضي معه معظم الوقت ويصحبه في أي مكان يذهب إليه، وكان هذا الصديق يذهب للدروس في قرية مجاورة لنا فكان هذا الكلب يتبعه أينما ذهب ويصحبه إلى موقف الميكروباص والعجيب أنه كان ينتظر عودته وهو يقف على الطريق الذي يرجع منه ويذهبا للبيت سوياً..عندما مات هذا الكلب أصيب صاحبي بالإكتئاب الشديد وكأنه فارق شخصاً عزيزاً عليه، ورغم مرور ثلاث سنوات على موته لا زال يبكي عليه سراً وينعيه أمامنا جهراً بنبرة حزينة كسيرة.

هذا الأمر لم أجربه، لم أقتني كلب ذات يوم ولا أي حيوان، ولكن حال صديقي مع هذا الكلب شغلني لدرجة كبيرة حينها، حتى أنني كنت أسأله عن طبيعة علاقته من هذا الكلب ومدى قربه منه فكان يلخص كل شئ في كلمتين "كان صاحبي"!

مؤخراً بينما اتصفح المنشورات على فيسبوك رأيت منشوراً للشاعر المصري عمرو حسن يقول فيه بالنص:

"سلطان صاحبي مات"

نزلت إلى التعليقات لأعزيه لفراق "صاحبه" فوجدته يتحدث عن كلبه الذي أسماه "سلطان" وأضاف صوراً قديمة لهما معاً.

وعلى يوتيوب مؤخراً، انتشر ڤيديو لشخص يتظاهر بالغرق حتى يعلم رد فعل كلبه الذي يبعد عنه الكثير، فقفز الرجل في الماء وظل يعلوا ويهبط ويحرك يديه بسرعة وكأنه يبحث عن أي يمسك به متظاهراً بذلك بالغرق، فما كان من الكلب إلا أن جرى على صاحبه وظل ينبح بأعلى صوته في كل اتجاه حتى ينقذه أحد، وحين لم يجب أحد قفز الكلب ممسكاً بأسنانه قميص صاحبه وهو يجره إلى الحافة!

شئ عجيب أيها القارئ العزيز.... حقاً عجيب، وربما سيكون عجيباً لك أكثر إن كنت غير مختلط بأي حيوان، أما من يربي القطط مثلاً أو الكلاب فهو إلى حدٍ ما يعرف أن تلك الأرواح ليست كما نراها في الشارع وهي تعبث بالقمامة وترهب المارين، بل إن كنت تود معرفة مدى تعلق الناس بالحيوانات ومدى تعلق الحيوانات بهم شاهد فيلم "علي معزة وابراهيم".

دعني أقص عليك أغرب قصة سمعتها في هذا الصدد، وهي قصة حقيقية تماماً حدثت في مصر، وذكرها الدكتور مصطفى محمود في كتابه العظيم "رأيت الله"، كما أنها كانت حديث الصحف والمجلات آنذاك، وهي قصة الأسد الذي قتل مدربه "محمد الحلو" في أحد عروض السيرك بالقاهرة.

وسأذكر تفاصيل القصة كما ذكرت في الكتاب..

فالقصة بدأت أمام جمهور غفير من المشاهدين في السيرك حينما استدار محمد الحلو ليحيي الجمهور بعد عرض ناجح مع الأسد " سلطان "، في هذه الأثناء انقض الأسد عليه من الخلف وأنشب مخالبه وأسنانه في ظهره وسقط المدرّب ينزف دماً ومن فوقه الأسد، تدافع الجمهور والحُرّاس وهم يحملون الكراسي والعصي وهم يريدون تخليص المدرب من هذا الأسد الهائج، وهجم ابن الحلو على الأسد بقضيب من حديد وتمكن تخليص أباه ولكن كان الأوان قد فات، حيث أن محمد الحلو مات في المستشفى بعد أيام قلائل.

أما الأسد سلطان فقد انطوى على نفسه في حالة اكتئاب ورفَض الطعام تماماً حتى ضعف جسده وتأثرت صحته، وقرر مدير السيرك بعد ذلك أن ينقله إلى حديقة الحيوان باعتباره أسدًا شرِسًا لا يصلح للتدريب.

وفي حديقة الحيوان استمر سلطان على حاله الغريب، ظل على اكتئابه وانعزاله وإضرابه عن الطعام، فقدموا له أنثى لتسري عنه فقام بضربها وطردها ثم عاد إلى انطوائه لعزلته واكتئابه، بعد ذلك أصيب الأسد "سلطان" بحالة من الجنون، فراح يعضّ جسده في وحشية، حتى أنه عض ذيله بأسنانه فقصمه نصفين.

ثم راح يعضّ نفس الذراع التي قتل بها مدربه وراح يأكل منها في وحشيّة.

يقول د. مصطفى محمود:

"ظل يأكل من لحم يده التي قتلت صاحبه حتى نزف ومات واضعًا بذلك خاتمة لقصة ندم من نوع فريد.

إنّي أنحني احترامًا لهذا الأسد الإنسان، بل إني لأظلمه وأسبّه حين أصفه بالإنسانية .. !!"

ويكمل مصطفى محمود مكملا ً تفاصيل القصة قائلاً:

"كانت آخر كلمة قالها ( الحلو ) وهو يموت .. أوصيكوا ما حدش يقتل سلطان .. وصية أمانة ما حدش يقتله .

هل سمع الأسد كلمة مدربه ؟ وهل فهمها ؟

يبدو أننا لا نفهم الحيوان ولا نعلم عنه شيئاً، ألا يدلّ سلوك ذلك الأسد الذي انتحر على أننا أمام نفس راقية تفهم وتشعر وتحس وتؤمن بالجزاء والعقاب والمسؤولية ؟

نفس لها ضمير يتألّم للظلم والجور والعدوان ؟"

والكلام يطول ويطول في هذا الصدد، ولكنه يعبر عن أشياءكثيرة، يلفت أنظارنا إلى علاقات من نوع آخر. يلخصها قول الله عز وجل "أمم أمثالكم"

وهنا لدي سؤال عزيزي القارئ : كيف يكون الحيوان أفضل من الإنسان في بعض الأحيان؟ وهل لك تجربة مع أحد الحيوانات؟