أهلا أعضاء حسوب، اسمحوا لي أن أشارك معكم واحدا من أروع الكتب التي قرأتها.

عنوان الكتاب: لاعب الشطرنج

الكاتب: ستيفان زفايغ

عدد الصفحات: 82

قبل كل شيء أنصحكم بقراءة هذه الرواية، فبالإضافة لكونها تتناثر في 82 صفحة فقط فهي أيضا ممتعة. و بالمناسبة، إن كنت تنوي فعلا قراءتها فلا تكمل المساهمة لأنّ فيها حرق للأحداث.

لعل أكثر ما أثار انتباهي و شدني للغاية قصة ذلك الرجل، الذي يمكن اعتباره البطل الثاني في الرواية، و الذي كان محاميا قُبض عليه -و لا يهم فعلا أن أذكر السبب و غير ذلك هنا-، لكن بدل أن يوضع في المعتقل و يُعذّب حتى يبوح بما لديه من معلومات، اختيرت طريقة ذكية جدا في تعذيبه. طبعا، خمنت ربما من عنوان المساهمة. على أي، لقد سجنوه في غرفة فندق أنيق، لكن وحيدا بدون أي وسيلة نهائيا للترفيه.

صراحة، من أروع ما قرأته هو تلك الصفحات التي وصف فيها هذا السجين عذابه هنالك و كيف أنّه حفظ حتى تقاسيم الجدار. و تمضي الأشهر و هو يكاد يجن من البقاء في نفس المكان دون وجود أي شخص يتحدّث معه. فهل يمكنك أنت أن تتحمّل ذلك؟

ليكن، لقد كاد ينهار بالفعل و يبوح بما لديه خاصة مع توالي جلسات التحقيق التي يرى فيها وجوه المحققين الصارمة و أسئلتهم المراوغة، لكنّه رغم ذلك تحمّل؛ فبوحه بهذه المعلومات سيعرّض حياة آخرين للخطر.

في إحدى جلسات التحقيق و بينما مضت ساعتين و هو ينتظر و يراقب معطفا معلّقا، لا يزال مبتلّا من أثر المطر. و قِفوا لحظة للتخيّلوا معي كيف أنّ حالته الصعبة و رغبته في الترفيه بأي شيء دفعته لمراقبة قطرة ماء تتعلّق بالمعطف مقاومة الجاذبية، بل و عدّ الأزرار أيضا. لنعد، لقد لاحظ انتفاخا في جيب المعطف، أوبس، إنّه كتاب. طبعا، رغبته المجنونة في الترفيه دفعته لسرقته، و نجح في ذلك. عندما عاد لغرفته فتحه، و كان كتابا عن أهم مباريات الشطرنج.

أمضى الوقت في قراءة الكتاب، و لما انتهى انتقل لحفظ تلك المباريات كلها، و إعادتها في ذهنه مرارا و تكرارا كل يوم. لكنّه ملّ في النهاية، فدفعته العزلة، الضجر، الرغبة المجنونة في الترفيه، إلى القيام بشيء لا يخطر على البال: إنشاء مباريات خاصة به. حسنا، كلنا نعرف أنّ الشطرنج يحتاج لشخصين على الأقل، لكن أن تلعب مباراة وحدك، ضد نفسك فذلك جنون حرفيا. زد على ذلك أنّه لا يملك أصلا رقعة شطرنج أي أنّ المباراة ستدور كاملة في ذهنه. كان عليه أن ينقسم إلى أنا أبيض و أنا أسود، كما قال. هل نجح؟ مهما بدا الأمر مجنونا لكنّه فعلها و لعب كل تلك المباريات. و أكثر من ذلك، وصل به الأمر إلى أن أكمل اليوم يحلم بتلك المباريات، بعبارة أخرى يلعبها و هو نائم أيضا. هل تعتقد حقا أنّه يمكنك لعب مباراة شطرنج ضد نفسك و في ذهنك فقط؟ ماذا لو لم يكن لك شيء آخر لتفعله؟

على أي، مضى عام كامل -على ما أتذكر- على كل ما وصفته أعلاه، و كانت النتيجة أنّه استيقظ ذات يوم في غير وعيه، هجم على الحارس، لكنّه جُرح و هو يسقط فنقلوه للمستشفى. طبعا، من الجميل أن تقرأ شعوره و هو يرى بشرا آخرين و ينام على سرير آخر في غرفة أخرى. ثم تمكن الطبيب من أن يخلّصه من ذلك السجن اللعين و نصحه أن لا يلعب الشطرنج لأن لا تعود له تلك الحالة.

و الآن، و بعدما سردت القصة -و آسفة إن كنت قد أطلت- أعود إلى موضوع المساهمة: العزلة.

هل تعتقد حقا أنّ العزلة أصعب أنواع التعذيب؟ و إن خيّروك بين المعتقلات -جونتنامو كمثال- أو العزلة في غرفة فندق أنيق، فماذا سيكون اختيارك؟